أكدت جمعيات التيار الديمقراطي على ضرورة العمل للملمة وتعزيز صفوفها بشكل متزايد، لممارسة دور أكبر لها في الحياة السياسية، انطلاقا من الاستعداد للاستحقاق الانتخابي المقبل في العام 2010. ودعت إلى ضرورة قيام تحالفات وطنية حقيقية مع بقية القوى الوطنية الأخرى، تأخذ في الاعتبار أهمية ودقة المرحلة المقبلة، وضرورة إعادة التلاحم والبناء الوطني والمشاركة الفاعلة في عملية التنمية الشاملة.
هذا نص مقتطف مما تناقلته الصحف البحرينية عن ما توقف عنده الاجتماع الدوري الذي عقدته «جمعيات التيار الديمقراطي» المتمثلة في جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، جمعية التجمع القومي الديمقراطي بتاريخ 14 يوليو/ تموز 2009.
لن نتوقف عند مدى دقة حصر إطلاق صفة «جمعيات التيار الديمقراطي» على هذه الجمعيات، لأن ذلك ليس الاسم الذي أطلقته هي على «لقاءاتها»، ولكننا، ومن أجل الدخول في قضية العلاقات التي يأمل الكثير من «الديمقراطيين» و»أبناء المدرسة السياسية العلمانية» أن يروها قائمة بين ما يمكن أن يطلق عليه «التيار الديمقراطي البحريني»، أو ربما يحلو للبعض أن يصنفه على أن «التيار التنويري البحريني»، سوف ننطلق من فرضية أساسية تقول إن بين التنظيمات السياسية البحرينية القائمة اليوم، يمكن اعتبار هذه الجمعيات الثلاث هي الأكثر قربا، وكتنظيمات فقط وليس كأفراد، من الذهنية الديمقراطية في نطاقها السياسي، حيث إن الديمقراطية كمفهوم أكثر اتساعا وشمولية من الدائرة السياسية، فهو يمتد، أي المفهوم، كي يشمل دوائر السلوك البشري الأخرى من اقتصادية واجتماعية.
انتقل من هذه الفرضية القصيرة والمقتضبة كي أضع علامة استفهام كبيرة أمام الأخوة القادة في هذا التيار الذي يكن له «السياسيون المخضرمون» من أبناء البحرين الكثير من الاحترام، ويعلق عليه الكثير منهم أيضا الكثير من الآمال، في الانتقال بالحركة السياسية البحرينية الحالية من «مياه الطائفية الآسنة»، و «رمال التآمرية المتحركة»، إلى مسرح العمل السياسي المتفتح القادر على تطوير المجتمع وقواه السياسية الصاعدة في آن، تتساءل: من هي في نظركم القوى السياسية الديمقراطية، أفرادا ومؤسسات، التي ترون أنها مؤهلة وتستحق الانخراط في قائمة علاقاتكم، ولا نقول صفوفكم، التي تنسجونها من أجل التغيير الديمقراطي الذي نفترض أنكم تطمحون إليه؟
أولويات الديقراطية السياسية، ومقاييس السلوك الديمقراطي تؤكد لنا، بل وتدعونا إلى الشمولية في التمسك بهذا السلوك في كل خطوة نخطوها، والابتعاد، وبشكل مطلق، ومن دون أية مساومة، عن أي شكل من أشكال الإسقاطات المسبقة، أو التصنيفات غير العلمية، للقوى السياسية والاجتماعية الأخرى، أفراد كانت تلك القوى أم مؤسسات، من أجل تهميشها أو نفيها، بوعي أو من دون وعي، في عملية العمل السياسي.
والنفي والتهميش يتجسدان في الإجراءات اليومية العملية التي تمارسها تلك القوى النافية للآخرين، وأحيانا يتمظهران في أشكال نظرية أخرى تعزز ذلك السلوك وتمهد الطريق أمام انتشاره في أذهان أعضاء القوى التي تدعي الديمقراطية، والمواطنين الذين يتعاطفون معها.
أخطر الأمراض التي يمكن أن تتفشى في جسم القوى الديمقراطية البحرينية، هي تلك التي يمكن أن توهمها بأنها وحدها، ومن دون سواها، المؤهلة لاكتساب هذه الصفة، وعلى الغير ممن يريدون الانتماء لهذا التيار، وشاءوا نيل صكوك الاعتراف بهم، أن ينضوا تحت أجنحتها. هنا بوعي أو من دون وعي تتحول هذه القوى، وبشكل تدريجي، إلى قوى غير ديمقراطية، وربما يتطور واقعها، في حال وصولها إلى السلطة كي تكتسب الصفات «الفاشية». والأمثلة في بلادنا العربية كثيرة، التي تحولت فيها قوى كانت تبشر للديمقراطية وتعد بالتقيد بها عند استلام زمام الأمور، إلى قوى باطشة بالجماهير والقوى التي تمثلها.
ليس المراد هنا إلقاء خطاب كهنوتي يعض البعض ويبرئ ساحة البعض الآخر، بقدر ما هي محاولة لنقل شعور يجتاح أذهان ويسيطر على عقول، نسبة عالية من ذلك الجيل المخضرم من السياسيين البحرينيين الذين يراقبون اتجاهات ساحة الحراك السياسي البحرينية، ويتلمسون بألم شديد ومرارة، انحرافها وبسرعة شديدة نحو طرق ملتوية ومتعرجة، يخشون أن تقودها في نهاية المطاف إلى ضفاف جزر الطائفية، فتتحول من قوى داعية للتغيير الإيجابي، وقادرة على تحقيقه، إلى قوى هامشية تسير في دبر الحركة السياسية الطائفية، وتناضل، بوعي أو من دون وعي، من أجل أهداف تلك القوى، بدلا من الإصرار والتمسك ببرامجها التنويرية، التي لا يمكن تحقيقها على أرضية سلوك غير ديمقراطي يقوم على تصنيف الآخرين، وربما نفيهم، حينما يشكلون رأيا معارضا منطقيا يمكن أن يجد له صدى في صفوف التيار المصنف اليوم على أنه «ديمقراطي».
لذا فالتحدي الحقيقي اليوم أمام التيار الديمقراطي البحريني، لا ينحصر في نجاح لقاء يضم ثلاث قوى، على أهمية لقاءات هذه القوى التي يكن لها كل المواطن المتطلع نحو إصلاح حقيقي تقدمي كل التقدير، ويتطلع نحوها بكل أمل، بل يتسع كي يبلور رؤية أكثر شمولية تكون قادرة على المساهمة في تشكيل الكتلة الجماهيرية الحرجة التي تنقل هذه القوى من حيزها الضيق في ساحة العمل السياسي البحريني، ورقمها الصغير في معادلته المعقدة، إلى قوى سياسية جماهيرية تشكل الند القوي القادر على طرح البرامج، ونسج التحالفات مع أشكال القوى السياسية ومختلف ألوانها كافة، انطلاقا من قاعدة جماهيرية واسعة وصلبة، وفكر تنويري راسخ.
والخطوة الأولى على هذا الطريق ليس الإيمان بالديمقراطية، فحسب، بل تجسيدها في سلوك ديمقراطي يومي يقبل بالآخر وقادر على التعامل معه بدلا من نفيه.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2509 - الأحد 19 يوليو 2009م الموافق 26 رجب 1430هـ
المنامه
كلامك صحيح وما تمارسه الجمعيات الثلاث هو عمل نخبوي واقصاء للاخرين لن يحقق نتائج