العدد 2506 - الخميس 16 يوليو 2009م الموافق 23 رجب 1430هـ

الخوف من الآخر، الخوف من الصديق

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بعكس الرأي العام السائد، ليس الخوف شعورا سلبيا بشكل متأصل. قد تكون أهداف مخاوفنا سلبية (وهذا هو سبب الارتباك)، إلا أن المشاعر نفسها لا يمكن التخلي عنها.

يسمح لنا الخوف أن نكون على علم ومعرفة بالأخطار الموجودة في العالم. لم يكن بإمكان أجدادنا في غيابه أن يفرّقوا بين الأرنب والنمر، ولما كنا هنا اليوم.

ولكن يمكن للخوف كذلك أن يكون مدمّرا. يدفع الخوف الناس سياسيا لتشكيل قبائل تخاف الغرباء وليصبحوا آليين ذاتيي الحركة يسلّموا السلطة لزعماء سلطويين. وقد استخدم السياسيون الخوف منذ القِدَم للتحكم بالجماهير والسيطرة عليها.

يلعب الخوف في النزاع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين دورا مهما، فهو يلهم الشعب، في بعده الإيجابي للقتال ضد الظلم والإجحاف. ويصبح الناس صانعو سلام لأنهم يخافون من أن يرث أطفالهم العالم المأسوي نفسه الذي يحطم قلوب الذين يعيشون فيه. وفي بعده السلبي، يعمل الخوف على إدانة النزاع وتفاقمه.

ومن الأمثلة البارزة على الخوف السلبي الخوف من الأعداء، والخوف من الوحش (الحقيقي أو الوهمي) الذي يوجده النزاع. يجعل الخوف من العدو المواجهات العنفية عقلانية، والمواجهات غير العنفية صعبة ومشحونة بانعدام الثقة.

إلا أن هناك نوعا آخر من الخوف، نحن أقل إدراكا له، ولكنه يحمل في طيّاته المشكلات نفسها، وهو الخوف من الصديق.

يشكّل الخوف من الصديق، الذي ينبع من الخوف من أن يُرفَض المرء أو يُنبَذ من قبل مجموعته، الخوف من الوقوف للدفاع عن المبادئ. وهو يجسّد نفسه بالتزام أعمى و/ أو عدم القدرة على التعبير عن آراء المرء ضد معايير المجموعة. ويسمي علماء الاجتماع هذه المجموعة «التفكير الجماعي»: عندما تسعى مجموعة متماسكة لتحقيق التناغم على حساب الفكر الناقد البنّاء.

وفي الوقت الذي يُعرَف عن الفلسطينيين والإسرائيليين أنهم متحيزون لآرائهم، يحكم تماثل الفكر واتساقه على الفردية في أوقات النزاع. خلال الانتفاضة الثانية على سبيل المثال، وجد أنصار السلام من الإسرائيليين أن من الصعوبة بمكان انتقاد الحكومة من دون مواجهة السخط والعدوان من طرف مواطنيهم. كان هناك ضغط هائل لتكرار التفسير الرسمي لما حصل كالببغاء، ولعقلنة أية إثباتات بعكس ذلك.

وبالمثل وجد الفلسطينيون أن انتقاد المجموعات المسلحة المتشددة وتكتيكاتها هو أمر شبه مستحيل، من دون أن يُنظَر إليهم على أنهم خونة ومتعاونون، الأمر الذي وضع الناس أحيانا في مجال التهلكة. وأثناء الحرب الأخيرة في غزة، تواجدت النبضات الرقابية نفسها في كل من «إسرائيل» والمناطق الفلسطينية.

ويشكل الخوف من الصديق نتيجة طبيعية لحاجتنا الالتحاق بمجموعة. إلا أنه يؤدي أحيانا إلى تفسير خاطئ، وأحكام عقلانية مشكوك فيها وقرارات سيئة. ينزع الخوف من الصديق، من خلال كبت التمرد البنّاء، وهو أداة قيمة أثناء فترات الأزمات، لأن يكون ضارا لعملية صنع السلام.


كيف يكون الرد؟

عند التعامل مع الخوف من الصديق، من الأفضل تشجيع الأفراد (وخصوصا الشباب منهم) على التفكير بأنفسهم وقول ما في أذهانهم. من الأساسي كذلك تعريض الأفراد إلى أمثلة عن الشجاعة الأخلاقية، وهو المصل المضاد للتفكير الجماعي وتشجيعهم على ممارسته. يتوجب علينا التفكير بأفضل طريقة لعمل ذلك في بيوتنا ومدارسنا وساحاتنا العامة وأماكن عبادتنا ومساجدنا.

ومن الأمثلة الملهمة للشجاعة الأخلاقية ما بذر عن ابنة صديق لي عمرها 12 سنة لنسميها نوا.

قررت معلّمة مادة العلوم للصف السابع في مدرسة متوسطة للفنون في «إسرائيل» أن تنهي السنة بمحاضرة تلقائية عن سبب عدم إمكان أن يتعايش اليهود والعرب معا بسلام.

بعد أن أنهت المعلّمة محاضرتها رفعت نوا يدها وصرحت بشجاعة أن لديها فكرة أخرى، أن العرب يستطيعون بل ويجب أن يعيشوا بسلام.

تبع ذلك نقاش طويل بصوت مرتفع عن طبيعة الثقافة العربية الإسلامية ومن يستحق العيش في البلاد.

ادعت المعلّمة وعدد من التلاميذ بصخب أن الثقافة العربية مضادة للحضارة الغربية وأن اليهود يملكون حقوقا تاريخية كاسحة في الأرض. إلا أن ابنة صديقي لم تتراجع. دافعت عن رأيها وتمكنت حتى من إيقاظ ضمائر طالبين آخرين.

انتهى الحوار بمعلّمة مغتاظة طلبت من تلميذتها الخارجة عن رأيها ومن أتباعها قراءة بعض التاريخ قبل أن يتكلموا.

وعند سؤالها ما الذي يفرض عليها الحديث ضد رأي شخصية سلطوية وعدد من زملائها، شرحت نوا قائلة: «اعتقدت أن ما كانت المعلّمة تقوله وتفعله خطأ. لا أقبل أن تقول المعلّمة أشياء سلبية وتؤثر على التلاميذ. عندما يسمع الناس أمورا سلبية كهذه يتعلمون كيف يصبحوا سلبيين أيضا».

ردت نوا على معلّمتها وزملائها في الصف لأنها أدركت نتائج عدم فعل ذلك. اضطرها ضميرها لأن تقول الحق بشجاعة في وجه السلطة. تذكرنا أعمال نوا أن امتلاكنا للشجاعة الأخلاقية ليس هو أن نكون لا نخاف وإنما، كما علق المفكّر المسلم إرشاد مانجي مرة، أن نعلم «أن بعض الأمور أهم أحيانا من الخوف».

*كاتب إسرائيلي مركزه الولايات المتحدة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2506 - الخميس 16 يوليو 2009م الموافق 23 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً