العدد 2503 - الإثنين 13 يوليو 2009م الموافق 20 رجب 1430هـ

أحداث إيران وأحداث الصين: ازدواجية بغيضة!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

شهدت الأيام الماضية أحداث عنف في إقليم «شيتغيانج» الواقع في أقصى غرب الصين وقد راح ضحية هذا العنف مئات القتلى وآلاف الجرحى وكلهم من طائفة اليوغور المسلمين وهم أصحاب الأرض الأصليين ومنذ آلاف السنين.

ذنب هؤلاء المسلمين أنهم يودون العيش على أرضهم بسلام ودون طمس لهويتهم الدينية أو العرقية، لكن الحكومات المتعاقبة على حكم الصين لم تسمح لهم بذلك بل وعملت بكل الوسائل على طمس هويتهم وتشريدهم من بلادهم.

عدد سكان المنطقة نحو عشرين مليون مسلم يعيش بينهم نحو 6 في المئة من «الهان» غير المسلمين، وقد عملت حكومات الصين على رفع نسبة «الهان» في الإقليم بكل الوسائل غير القانونية حتى تجاوزت نسبتهم 40 في المئة، كل ذلك لكي لا يكون الإقليم ذا أغلبية مسلمة. والسبب في ذلك أن هذا الإقليم يشكل سدس مساحة الصين، كما أنه يرقد على بحيرة النفط الصينية، وثروات أخرى هائلة، ومع هذا كله فإنه وأهله يعيش حالة فقر وإهمال شديدين لأن غالبية سكانه من المسلمين.

وقد بدأت الاضطرابات عندما هاجم آلاف العمال «الهان» عمالا مسلمين وقتلوا أعدادا منهم، فاضطر «اليوغور» للتظاهر والاحتجاج ومطالبة الحكومة بإنصافهم، لكن الحكومة بدلا من ذلك هاجمتهم بأعداد كبيرة من القوات النظامية وشبه النظامية وقتلت المئات ومثلهم من الجرحى، وادعت أن هذه المظاهرات بتحريض من الخارج وأنها مؤامرة ضد الحكم في الصين!

ادعاءات الحكومة لا تهمني كثيرا فهي ليست جديدة وخاصة فيما يتعلق بالمسلمين في الصين والتي تذكر الإحصاءات أنهم يتجاوزون المئة مليون لكنهم لا يتمتعون بالحد الأدنى من حقوقهم المدنية والدينية. بل إن الصين وبتأييد كبير من أميركا أدرجت الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية وهي إحدى منظمات «الإيغور» على قائمة الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة. وكل ذلك كي يسهل عليها تصفية كل مناوئيها المسلمين تحت مظلة محاربة الإرهاب التي ابتدعها سيئ الذكر «بوش».

أحداث الصين المؤطة كانت تجري أمام أنظار العالم فما الذي فعله هذا العالم لإيقاف هذه المجازر أو الحدّ منها على أقل تقدير؟ هذا السؤال قفز إلى ذهني وأنا أقارن بين موقف معظم دول العالم من الأحداث التي جرت في إيران والأحداث التي جرت في الصين... ومع عظم الفارق بين الحدثين إلا أن العالم اضطر بكل قوة وهاج وماج ضد إيران لكنه بدا هادئا متزنا حكيما أمام أحداث الصين!

أمين عام الأمم المتحدة حث الحكومات على احترام حق شعبها في الاحتجاج... كما طالب كل الحكومات بحماية أرواح وسلامة المدنيين وكذلك ممتلكاتهم والسماح لهم بحرية التعبير!

أما مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة فقد أعلنت عن انزعاجها الشديد من ارتفاع عدد الضحايا في الإقليم! إذا هو «انزعاج» ولا شيء آخر وليتها وقفت عند هذا الحدّ لكنها طالبت كلا من السلطات الصينية والقادة المدنيين من «الإيغور» لا حول لها ولا قوة، وأن الجيش الصيني هو - وحده - من يمارس العنف والقتل، لكنها بخلت حتى بكلمة واحدة تنصف بها المظلومين.

معظم الدول العربية مارست فضيلة الصمت باعتباره حكمة لا يجيدها إلا العرب، وحتى الشجب والاستنكار الذي كان معروفا وشائعا عند العرب لم نسمع به على ضآلته وتفاهته.

وللأسف فإن مصلحة العرب - خاصة - والمسلمين - عامة - أن يقفوا مع إخوانهم المسلمين في كل مكان، وإذا كان الإسلام لا يهمهم كثيرا فلينظروا إلى المسألة من باب حقوق الإنسان، ومن باب مصالحهم الذاتية فقد يحتاجون في يوم ما إلى هؤلاء المسلمين وعندها - وبسبب مواقفهم المخزية لن يقف معهم أحد.

منظمة المؤتمر الإسلامي، وكذلك تركيا، عبرتا عن قلقهما مما يحدث للجالية المسلمة في الصين، وطالبتا بحمايتهم وإعطائهم حقوقهم.

يا سادة: القلق لا يكفي وحده، ولدى العرب والمسلمين أوراق ضغط كثيرة يمكنهم استخدامها.. لكنهم آثروا القلق ولا شيء آخر.

ومع الفارق بين الأحداث في إيران والصين إلا أن العالم نظر إلى أحداث إيران بصورة مغايرة تماما... أخذته النخوة تجاه المحتجين في إيران، وتحدث طويلا عن حقوقهم في التعبير عن آرائهم بحرية تامة... كما تحدث عن الظلم الإيراني المخيف ودوافعه التي لا يمكن أن تختفي.

الأوروبيون جميعا هددوا وتوعدوا... عقدوا أكثر من اجتماع لبحث المشكلة الإيرانية ومخاطرها... هددوا بقطع العلاقات مع الدولة المارقة التي لا تحترم حقوق شعبها... وهكذا فعل إعلامهم غالبا.

أميركا حاولت الصمت لكنها لم تستطع... قالوا: رأينا ظلما واضحا لا يتفق مع مبادئنا وقيمنا فكان لابد من التعبير عن غضبنا واستنكارنا إزاء ما يحدث في إيران... لكن ما يحدث في الصين لا يتعارض مطلقا مع مبادئهم أو مبادئ الأوروبيين!

معظم الدول العربية نهجت نفس النهج... أما قناة «العربية» فوجدتها فرصة سانحة لا تعوض فأبدعت أيما إبداع! غطت الأحداث - بحسب رؤيتها - كما لم تفعل في أحداث غزة! ويا للمفارقة العجيبة!

أقول: من حق كل أحد أن يعبّر عن رأيه، ومن حق الشعوب - أيضا - أن تعبّر عن رأيها بكل حرية... ولكن من العيب أن يكيل العالم وإعلامه بمكيالين... من العيب أن تكون المواقف الخاصة - وليس المهنية الإعلامية أو الحقوقية - هي التي تسيّر الحكومات وإعلامها.

أقول: من حق كل أحد أن يعبّر عن رأيه، ومن حق الإيرانيين أن يعبّروا عن آرائهم بكل حرية، ولست مع ما حدث للمتظاهرين في طهران، ولكن عجبي من عالم لا يحترم أدنى حقوق الإنسان إلا بالقدر الذي يستفيد منه... أعجب من عالم يكيل بمكيالين؛ عالم يتعامى عن قتل المئات وانتهاك حقوق الملايين لأنهم مسلمون، ويقيم الدنيا ولا يقعدها لقمع مظاهرات بصورة قوية لم يمت فيها إلا فتاة - نسأل الله لها الرحمة -.

وأخيرا... للمسلمين في الصين حق على كل مسلم وعلى كل دولة مسلمة، ومن مصلحة هذه الدول أن تؤدي هذا الحق.

الكثيرون يتحدثون عن العدل وعن حقوق الإنسان... لكن الحديث شيء وتطبيقه شيء آخر.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2503 - الإثنين 13 يوليو 2009م الموافق 20 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً