بدأت مشكلة «معهد البحرين للتنمية السياسية» تعود إلى السطح منذ 8 يونيو/ حزيران الماضي، عندما نظرت المحكمة الكبرى المدنية في دعوى رفعها مدير الشئون الادارية بالمعهد ضد المدير التنفيذي إبراهيم الرميحي، يتهمه فيها بالفصل التعسفي، ومطالبا بإلغاء القرار والتعويض عن الأضرار.
وأشار صاحب الدعوى في حينها الى أن السبب وراء فصله كان عدم موافقته على مخالفات إدارية ومالية، وقال إن عددا من المفصولين الآخرين رفعوا دعاوى مماثلة.
وقد أمر مجلس أمناء المعهد بإجراء تحقيق داخلي، نتج عنه توقيف المدير التنفيذي الأسبوع الماضي، لتبدأ مرحلة عاصفة أخرى في المعهد الذي تم تدشينه أساسا لسحب البساط من تحت المعهد الوطني الديمقراطي الاميركي (إن دي آي)، لكنه فقد مديره الأول عبدالله الأشعل، ومن ثم مديره الثاني إبراهيم الرميحي.
الى ذلك قالت مصادر مطلعة لـ «الوسط» إن الأزمة التي عصفت بمعهد البحرين للتنمية السياسية ربما كانت أسبابها المباشرة خلافات داخلية بما في ذلك التحقيق في المخالفات المالية والإدارية المنسوبة إلى المدير التنفيذي للمعهد إبراهيم الرميحي، إلا أن السبب الحقيقي هو أن المعهد لم يستطع أن يحقق حتى الآن أيّا من الأهداف التي أنشئ من أجلها.
وأضافت المصادر أن المعهد الذي أنشئ من أجل إعداد وتدريب الكوادر الوطنية الجديدة للدخول الى الساحة السياسية والتعرف على الحراك السياسي عن قرب من خلال توفير المعلومات الإحصائية والقانونية ودعمها بخبرات إقليمية ودولية تنافس ما هو متوافر لدى مؤسسات التنمية السياسية في المنطقة قد فشل فشلا ذريعا في تحقيق هذه الأهداف.
ولفتت المصادر إلى أن المعهد حتى الآن ليست لديه أية قراءة لاحتمال ما سيجري في الانتخابات النيابية المقبلة التي سيتم إجراؤها في البحرين في العام المقبل (2010)، كما انه لم يسهم في تطوير قدرات أعضاء المجلس النيابي أو مجلس الشورى لتفعيل دورهم على أسس أكثر ديمقراطية.
وقالت: «إن المعهد بعيد تماما عن المؤسسات ذات الصلة في العالم بالإضافة إلى انه لم يستطع أن يؤثر في صناعة القرار على رغم الموازنة الكبيرة المرصودة له وازدياد عدد المستشارين فيه».
وأضافت المصادر «على رغم التصريحات التي يطلقها أعضاء مجلس أمناء المعهد بين الحين والآخر عن دور المعهد في تطوير المفاهيم الديمقراطية في المجتمع البحريني، فإن المعهد اكتفى بتنظيم ندوات نظرية لا تتصل بالواقع البحريني واقتصرت الدعوات لتقديم هذه الندوات على شخصيات ليست ذات صلة بمجريات الأمور في البحرين بصورة مباشرة».
ووفقا للمرسوم الملكي الصادر في العام 2005 والخاص بإنشاء المعهد، فإن معهد البحرين للتنمية السياسية يهدف إلى نشر ثقافة الديمقراطية ودعم وترسيخ مفهوم المبادئ الديمقراطية السليمة، وتوفير برامج التدريب والدراسات والبحوث المتعلقة بالمجال الدستوري والقانوني لفئات الشعب المختلفة، مع نشر وتنمية الوعي السياسي بين المواطنين، ودعم التجربة البرلمانية وتجربة المجالس البلدية، وتعزيز ونشر ثقافة الحوار وتبادل الرأي، إضافة إلى إعداد مؤهلين للانخراط في العمل السياسي.
وعلى رغم التعتيم الإعلامي وتضارب الأنباء بشأن خلاف مجلس أمناء المعهد مع المدير التنفيذي فإن ما تأكد حتى الآن هو توقيف المدير التنفيذي عن العمل وتشكيل لجنة للتحقيق في المخالفات المالية والإدارية المنسوبة إليه، في حين أصدر المدير التنفيذي للمعهد إبراهيم الرميحي بيانا يوم الخميس الماضي (9 يوليو/ تموز الجاري) نفى فيه جميع التهم الموجهة إليه، وأكد أن «هناك من يريد لهذا المشروع الوطني الكبير أن ينهار، ويدفع بكل ثقله لتفجير الأوضاع وهو ما يحدث عند اقتراب انتهاء فترة مهمات مجلس الأمناء، إذ تثار الأزمات ليحقق البعض أهدافه».
وقال الرميحي، الذي كان يشغل منصب مدير الدراسات السياسية والإستراتيجية ومسوحات الرأي في مركز البحرين للدراسات والبحوث وجاء خلفا للمدير التنفيذي السابق عبدالله الأشعل والذي نحي عن منصبه في ظروف مشابهة، إنه «لن يرد بأي شكل من الأشكال على ما يثار وما قد يثار مما يمسه في موقعه كشخص أو مسئول في سبيل الحفاظ على سمعة المعهد، وعدم تعريضه للمزيد من الأزمات التي قد تقوضه كثمرة من ثمرات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك».
وكان المدير السابق للمعهد عبدالله الأشعل وجه قبيل مغادرته المنصب في شهر يوليو/ تموز من العام 2007 انتقادات حادة لمجلس الأمناء ووجه مناشدة عاجلة إلى عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، يطالب جلالته بحل مجلس أمناء المعهد.
وأعلن أن «معهد التنمية السياسية في خطر حقيقي، لأن عصابة من البعثيين تسيطر عليه، وأقطابها عضو عراقي في مجلس الأمناء، ومدير في المعهد كان ضابطا سابقا في عهد الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين».
ورد مجلس الأمناء حينها: بـ «إن اتهامات الأشعل باطلة ولا أساس لها، وأن اتهامه بوجود (عصابة بعثيين) لا يستند إلى دليل موضوعي».
ولم تقتصر المشاكل التي واجهها معهد التنمية السياسية مع المديرين التنفيذيين له وإنما صاحب إنشاء المعهد صراع حاد مع معهد الديمقراطية الأميركي (NDI) الذي كان يساعد الجمعيات السياسية في البحرين في تطوير أدائها وقدراتها، بالإضافة إلى تدريب مؤسسات المجتمع المدني على القيام بمهمة مراقبة الانتخابات، حول توقيع مذكرة تفاهم بين المعهدين ما نتج عنه طرد خبير المعهد الديمقراطي الوطني المقيم في البحرين الأميركي الجنسية والصومالي الأصل فوزي جوليد من البحرين في 16 مايو/ أيار 2006.
وأشار حينها المراقبون إلى أن الهدف من هذا القرار يتمحور حول منع المعهد الوطني الديمقراطي من تقديم خبرات متطورة في العمل الحزبي للجمعيات السياسية ومنعه أيضا من مراقبة الانتخابات المقبلة.
يذكر أن أعضاء مجلس أمناء المعهد كافة يتم تعيينهم بموجب أمر ملكي، ويضم 9 أعضاء من بينهم رئيس، وعضوان من أعضاء مجلس النواب ومثلهما من أعضاء مجلس الشورى، وآخران يختارهما رئيس مجلس الوزراء، و3 من ذوي الخبرة والكفاءة في المجال القانوني يختارهم الديوان الملكي
العدد 2501 - السبت 11 يوليو 2009م الموافق 18 رجب 1430هـ