العدد 2500 - الجمعة 10 يوليو 2009م الموافق 17 رجب 1430هـ

أميركا و«إسرائيل»: الارتباط الأبدي

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

تتكشّف اللّعبة الأميركيّة الجديدة في المنطقة عموما يوما بعد يوم، ويبرز الوجه الحقيقي للإدارة الأميركية التي أعلنت على لسان رئيسها، أنّ الرابط بينها وبين “إسرائيل” «غير قابل للانفصام إلى الأبد»... ويتّضح أنّ الثابت الوحيد في حركة السياسة الأميركية الاستكباريّة، أنّها تبيع العرب والمسلمين كلاما، وتعطي “إسرائيل” المواقف والدعم العملي؛ ليتبيّن ـ بالتالي ـ أنّ اللقاءات الإسرائيلية ـ الأميركية الأخيرة، وزيارات المبعوثين الأميركيين إلى المنطقة، تكاد تتركّز على الإجراءات الشكلية، وعلى عملية الإخراج التي تجعل التطبيع العربي ـ الإسرائيلي أمرا واقعا، بحيث يتحوّل إلى ورقة ضاغطة على الفلسطينيين لإنهاء القضيّة كلّها، وذلك في مقابل بضع كلماتٍ من العدوّ تتحدّث عن تجميد الاستيطان، الذي يُراد له أن يكون هو القضيّة بعيدا عن مسألة اللاجئين والقدس وغيرها.

«إسرائيل» والعرب: تجاوز الخطوط الحمر

لقد أعلن وزير خارجيّة العدوّ قبل أيّام، أنّ «الخطوط الحمر» التي وضعتها الحكومة الصهيونيّة لا تزال على ما هي عليه، فيما يخصّ القدس وعودة اللاجئين واستمرار الاستيطان، وغيرها، ومع ذلك فإنّ الإشارات التي انطلقت من أكثر من موقع عربي بفتح الأجواء والبحار والقنوات المائية وغيرها أمام العدوّ، توحي بأنّ العرب ـ على مستوى الأنظمة ـ قد قرّروا الذهاب إلى ما هو أبعد من التّطبيع، وأبعد من المصافحة؛ لأنّهم يفكرون في الانفتاح على العدوّ وتسهيل أمره في فتح جبهة جديدة ضدّ عدوّ مفترض في الشرق.

إنّ الإدارة الأميركيّة التي كانت ـ بطريقة وبأخرى ـ شريكة فيما حصل من أحداث داخل إيران، والتي كانت تنتظر تحوّلا في المشهد الإيراني يدفع الأمور إلى الهدف الذي خطّطت له على مستوى المنطقة، كشفت عن وجهها الجديد مع انجلاء الصورة في إيران، وأوعزت إلى العدوّ أن يطلق تهديداته لها، وطلبت من بعض الأنظمة العربيّة أن تكون الواسطة الميدانيّة والعمليّة لإيصال الرسالة الإسرائيلية في حركة الطائرات والغوّاصات التي تُفتَح أمامها الأجواءُ والمساراتُ المائية، وأوحت إلى إيران بأنّ الحوار القادم سيكون مفتوحا على التطوّرات، وعلى هدير آلة الحرب الإسرائيلية والأميركية والغربية...


أميركا والغزو المستمر

إنّ على شعوبنا أن تعرف أن أميركا لم تخرج من مشروع الحرب حتى تدخل في مشروع السّلام، ولم تخرج من وهم إعادة تشكيل المنطقة على صورتها وصورة حليفها الإسرائيلي حتى تمدّ يدا توحي بالمحبة واحترام حرية شعوبنا في تقرير مصيرها، وهي في الوقت الذي ترهق جنودها في أفغانستان وسط حرارة الصيف الملتهبة، تتطلّع إلى طموحاتها الإمبراطورية التي تجد في المنطقة العربية والإسلامية ملاذها ومستودعها، وتنظر إلى شعوبنا بعيون إسرائيلية حاقدة تتلهّف لاستباحة ما تبقّى من قواعد ومواقع شعبية واستراتيجية عصيّة عليها.

ولكنّ المشكلة الكبرى تكمن في أولئك الذين مهّدوا السبيل لأميركا و ”إسرائيل” في اجتياح بلادنا، وهم يتيحون الفرصة لها مجدّدا لنهب ثروات الأمّة ومصادرة قرارها...


الصين: العلاقة الملتبسة مع المسلمين

ووسط كلّ هذه المآسي والآلام التي تصيب الأمّة، تأتي الصرخة في هذه الأيّام من الصين، والذي سقط في بعض أقاليمها ما يزيد على الألف بين قتيل وجريح غالبيّتهم من المسلمين، وقد ألقت السلطات الصينيّة باللائمة على شخصيّات صينيّة مسلمة مقيمة في الولايات المتّحدة الأميركية، وقالت إنّها كانت السبب فيما حصل من خلال ما أسمته «تحريضها على أعمال الشغب عبر الاتصالات الهاتفية والدعاية عبر مواقع الإنترنت».

ونحن في الوقت الذي نريد للمسلمين في كل مواقعهم في العالم أن يخلصوا الانتماء لأوطانهم، وأن يكونوا سفراء طيّبين في أيّ موقع حلّوا فيه، نرفض استخدامهم كورقة في لعبة الأمم، ونستنكر التعرّض لهم بالأساليب العنفية الحادّة التي تكاد مشاهدها تختفي في كلّ العالم، ولكنّها تبرز واضحة جليّة في المواقع أو الأقطار الإسلامية.

إنّنا نؤكّد العلاقة المتينة كشعوب وكدول عربية وإسلامية مع الشّعب الصيني والدولة الصينية، التي نعتقد أنّ لها مصالح في بلادنا ولنا مصالح عندها، ولكنّنا نريد منها تفسيرا لما حدث، وتوضيحا لكلّ الملابسات، فلا يكفي إلقاء اللائمة على الآخرين الذين قد يتحمّلون مسئولية في ذلك؛ لأنّنا أمام مشهدٍ مرعبٍ سالت فيه الدماء أنهارا، ونخشى أن تتطوّر فيه الأمور بما يسيء إلى الأقلية المسلمة في الصين، أو إلى الدولة والشعب الصينيين، وهو ما نرفضه جملة وتفصيلا، ونريد لكلّ المعنيين أن يتعاونوا لإخماد نيران هذا الحريق الذي اشتعل في الشارع والتهب في النفوس.


الوضع اللبناني: أزمة محاور

ونصل إلى لبنان، إلى البلد الذي ترتفع فيه أسهم التفاؤل وتنخفض كما ترتفع أسهم البورصة وتنخفض، في الوقت الذي أكّدت اللّقاءات والمشاورات العربية ـ العربية، والمداخلات الدوليّة التي واكبتها على خطّ تأليف الحكومة والملفّات الأخرى المطروحة للحلّ على هامشها، أنّ هذا «اللّبنان» لا يملك من أمره شيئا فيما هي التشكيلة السياسية التي يُراد لها أن تقود البلد رسميا، ومع ذلك، فإن المواقع النيابية والوزارية والرسمية عموما تحدّثك عن الديمقراطية اللبنانية الفريدة، وتتلو عليك نصوصا من الدستور تكاد تحسبها إنجيلا أو قرآنا، ولا نجد أحدا ينظر إلى كلّ حالات الوصاية والمحاور الدولية والإقليمية، التي تتدخّل في تفاصيل المسألة الحكومية أو حتى في التسميات الوزارية والنيابية، نظرة استغراب واستهجان، وكأنّ المسألة أصبحت التزاما لبنانيا داخليا ينبغي الوفاء به لكلّ أولئك الذين يشرفون على البلد من بعيد أو قريب.

إنّ لسان حال الجميع يقول: ممنوع أن يتحوّل لبنان إلى وطن، وممنوع أن تنطلق في ربوعه دولة، ولا سبيل أمام اللّبنانيين إلا بالتسليم للآخرين بلبنان المزرعة، أو لبنان الكرة التي تمثّل كتلا مذهبية وطائفية وحزبية تتقاذفها الأقدام الدولية والإقليمية في كلّ الاتجاهات.

لقد استعبد هؤلاء الشّعب اللبناني، واستعبد الشعب نفسه عندما ارتضى بأن يجدد مأساته كلّ أربع سنوات في انتخابات شكلية تذهب فيها بعض الأسماء وتعود أخرى، وتبقى اللّوحة العامّة كما رسمها الرسّامون وهندسها المهندسون.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2500 - الجمعة 10 يوليو 2009م الموافق 17 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً