عندما يلتقي قادة الدول الصناعية الكبرى (مجموعة الثماني)، غدا الاثنين (6 يوليو/ تموز 2009)، سيجدون على قائمة جدول أعمالهم بندا طارئا هو بيان المناشدة الذي وزعته منظمة أوكسفام، وهي تحالف تنضوي تحته 13 منظمة تناضل من أجل وضع حد للفقر والظلم في العالم، من أجل مساهمة دولهم في وضع حد لتداعيات الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على دول العالم الثالث، وعلى وجه الخصوص، تلك الفقيرة منها، والتي تعتمد اقتصاداتها على القطاع الزراعي.
ويدعو التقرير، أولائك القادة إلى إعادة النظر في أهمية الاقتصاد الزراعي، ودوره في الاقتصاد العالمي، في ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية.
تزامن ذلك مع تحذير آخر مشوب بدعوة مبطنة لقادة العالم الصناعي أطلقه مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية كانديه يومكيللا، من أجل الالتفات نحو تنامي حاجة العالم من الطاقة، مناشدا الجميع بتضافر جهودهم من أجل القضاء على ما أصبح يعرف بـ»فقر الطاقة» في العالم. وحذر يومكيللا من أن «ما يزيد عن 1.6 مليون شخصا يلقون حتفهم خنقا، سنويا، جراء استخدام المسماة بالطاقة العضوية، أي النفايات والحطب وروث الحيوانات، للطبخ والتدفئة داخل منازلهم».
على نحو مواز أكدت مديرة هيئة التنمية النمساوية إيرين فرويدينشوس -رايخل، من أن «ثلث سكان العالم يفتقرون إلى الطاقة الحديثة، وهو ما يمثل عبئا جبارا على عاتق الفقراء وعلي البيئة».
صباح الجاسم من «بوابة النبأ» ينقل عن خبراء عالميين توقعاتهم بأن «أزمة المال العالمية قد تستمر حتى العام 2010، وبأن الخسائر المالية الحقيقية للعام 2008 لامست 50 تريليون دولار، ما يُعادل الإنتاج الاقتصادي العالمي السنوي، منها 28.7 تريليون دولار في أسواق المال التي زادت خسائرها السنة الجارية بنحو 9 تريليونات إضافية، وجاء خُمس الخسائر من تراجع قيم العملات الدولية مقابل الدولار الأميركي».
باختصار، الوضع الاقتصادي العالمي ما يزال يتقهقر، رغم كل المحاولات التجميلية التي تحاول أن تصبغها به بعض المؤسسات العالمية، بل وحتى الإقليمية، عندما تتحدث عن أرباح باهتة هنا، أو مكاسب محدودة هناك.
من ينظر إلى الاقتصاد العالمي اليوم من مدخل موضوعي مجرد يكتشف السمات التالية:
1 - اندفاع غير متوازن، من قبل بعض الصناعات التقليدية، يحاول أن يقلص الخسائر أو أن يخفيها، من خلال تحالفات جديدة ينسجها مع مؤسسات مشابهة ناجحة في دول أخرى. وخير مثال ساطع على مثل تلك المحاولات تلك التي قامت بها شركات السيارات الأميركية عندما استعانت بشركات السيارات في أوروبا والصين.
2 - استدانة القطاع الخاص من القطاع العام، في شكل قروض أو بيع لحصص في شركات أعلنت إفلاسها أو شارفت على الإفلاس، وهو أمر كان أكثر تبلورا في الولايات المتحدة واليابان، عندما ضخت الحكومتان مليارات الدولارات في شركاتها ذات الأوضاع المتردية، تحاشيا لأية إفلاسات تعكر صفو المياه التي تحاول تلك الحكومات إعادتها إلى حالتها الطبيعية.
3 - دعوات خجولة إلى إعادة النظر في دور الدولار كعملة عالمية، بعد العثرات التي عانى منها الدولار، ووصلت الأمور به إلى درجة أنه بات يضر باقتصادات دول أخرى مثل الصين وروسيا وألمانيا وفرنسا، وقد سمع العالم دعوات بكين وموسكو، بل وحتى باريس، المنادية بالتخلص من الدولار والخروج بعملة عالمية جديدة غير مرتبطة بحدود وطنية.
مما لا شك فيه أن العالم اليوم يعيش حالة مخاض اقتصادي - سياسي تعبر في جوهرها عن مسألتين:
1 - عجز النظام الاقتصادي العالمي القائم على تلبية احتياجات التطورات التي عرفتها الأسواق العالمية، ومنها تراجع حصة الأسواق التقليدية الكبيرة مثل السوق الأميركية، وتزايد ثقل أسواق حديثة صغيرة، أو كبيرة ناشئة مثل الأسواق الآسيوية أو الصينية على التوالي. ومن ثم هناك ضرورة لإعادة النظر في حصة كل سوق من هذه الأسواق في السوق العالمية.
2 - فشل النظام السياسي الدولي القائم في مواكبة التطورات الاقتصادية التي عصفت بالعالم، والتي أدت إلى بروز كتل اقتصادية مؤثرة مثل الهند والصين، مقابل تراجع تلك المؤثرة تقليديا مثل بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة. الأمر الذي أدى إلى بروز حاجة ملحة إلى إعادة رسم خارطة العالم السياسية وفقا لتلك التطورات السياسية.
في ضوء كل ذلك تبرز الحاجة إلى مؤتمر عالمي جديد يضع كل هذه المعطيات على طاولة المفاوضات بين الدول من أجل التوصل إلى صيغة جديدة قادرة على إعادة الأمور إلى نصابها أولا، وإعادة توزيع الحصص بشكل عادل ثانيا.
ومما لاشك فيه أن كل تغيير، سيواجه بمعارضة من فئات تشعر أن التغيير القادم ليس في صالحها، أو قد يضر بمصالحها، ولعل المعارضة الأشد التي ينبغي أن نتوقعها من أية دعوة للتغيير ستأتي من الولايات المتحدة، فهي اليوم أكثر المستفيدين من الأوضاع الحالية، ومن ثم فإن أي تغيير محتمل سيمس تلك المصالح. وكذلك فمن الطبيعي أيضا أن نتوقع بروز تحالفات جديدة من طراز جديد بين دول ناهضة تبحث لنفسها عن دور في معادلة العلاقات الدولية المستقبلية.
ومن الطبيعي أن ينعكس كل ذلك على الأوضاع العربية التي ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تكون قد هيأت نفسها لتلك التحولات ومن ثم ستنال حصتها العادلة من الكعكعة عند توزيع الغنائم، أو أنها ستكون في غياب عن كل ذلك وعليها أن تقبل بالفتات الذي سيرمي به الآخرون من فوق موائدهم
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2494 - السبت 04 يوليو 2009م الموافق 11 رجب 1430هـ