وافق مجلس الوزراء السعودي خلال جلسته التي عقدها يوم الإثنين الموافق 29يونيو/حزيران2009، على «توصية اللجنة الدائمة للمجلس الاقتصادي الأعلى للترخيص بتأسيس شركة مساهمة سعودية باسم الشركة السعودية لتبادل المعلومات إلكترونيا (تبادل) وفقا لنظامها الأساسي المرفق بالقرار. وتهدف الشركة إلى الاستثمار في نشاط تقنية المعلومات والاتصالات والصناعات المصرفية على أسس تجارية». الشق المهم في نشاطات تلك الشركة، هو المتعلق بتوفيرها منصة كفؤة لتبادل المعلومات إلكترونيا، وهو المتعارف عليه باسم (EDI). أما المسألة الأخرى اللافتة للنظر في قرار الترخيص، فهو الميدان التجاري المميز الذي اختارته الشركة لنشاطها، والذي لابد وأن يكون ذا جدوى اقتصادية تبرر تأسيس شركة للتعامل فيه.
لكن بعيدا عن أية أغراض تجارية سيحققها أي نظام لتبادل المعلومات إلكترونيا، على الرغم من أهميتها، هناك المردود الوطني العام، وهو ما أشار إليه وزير المالية السعودي إبراهيم بن عبدالعزيز العساف، حين أكد على أن «المشروع السعودي لتبادل المعلومات إلكترونيا ( saudiEDI ) يسهم في تعزيز تنافسية الموانئ السعودية والمنافذ الأخرى مما يمكن المملكة من أن تعزز مكانتها كمركز مهم في التجارة الدولية بالاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي بين الشرق والغرب، ويعزز التكامل بين المشاريع العملاقة التي تقوم بها المملكة». بمعنى آخر يلفت الوزير النظر إلى اللبنات الأساسية الأولى الضرورية لإقامة البنية الأساسية التحتية للمجتمع السعودي القادم.
وعند الحديث عن تبادل المعلومات إلكترونيا في المملكة العربية السعودية، نجد أن هناك الكثير من المبادرات السعودية التي يعود بعضها إلى مطلع هذا القرن. ففي العام 2002، قامت وزارة المالية والاقتصاد الوطني هناك بتمويل مشروع (SaudiEDI)، من أجل تبادل المعلومات إلكترونيا، في نطاق مشروع أضخم هو الحكومة الإلكترونية. وفي مطلع العام 2008 استضافت الغرفة التجارية الصناعية بالرياض ورشة عمل للتعريف بذلك المشروع.
وتبادل المعلومات تجاريا، ليس نشاطا جديدا، فقد استخدم، ومنذ عقود في مجالات كثيرة، من بين أهمها المصارف، التي كانت، ولا تزال تستخدم نظام سويفت (SWIFT). وكذلك الأمر بالنسبة للأنشطة الأخرى، بما فيها الأنشطة العسكرية فقد استخدمت البحرية الأميركية ومنظمة الناتو مثل تلك الأنظمة منذ منصف الستينيات من القرن المنصرم.
لكن، وكما يشير الكثير من الوثائق (
ولربما كانت أهم عقبتين وقفتا في طريق ذلك، على مستوى هذه المنطقة هما: الكلفة المالية الباهضة المطلوب تحملها عند بناء نظام لتبادل المعلومات إلكترونيا أو استخدام أحد الأنظمة المتاحة، أو تدني الوعي المجتمعي الذي يولد الكتلة التجارية الحرجة التي تشجع القطاع الخاص على الانخراط في مشروعات بمثل هذا الحجم.
الأمر الجديد الذي طرأ اليوم هو ظهور شبكات المعلومات العالمية، وعلى وجه الخصوص منها الشبكة العنكبوتية العالمي (الويب)، في الأعوام الأخيرة من القرن العشرين كنتيجة منطقية لثورة المعلومات والاتصالات، وهو الأمر الذي أدى إلى تقليص النفقات، ناهيك عن تجاوز عاملي الزمان والمكان، وهما كانا أيضا من معيقات تبادل المعلومات إلكترونيا، وساهمت في توسيع نطاق الفئات الإجتماعية التي تملك الوعي بأهمية تبادل المعلومات إلكترونيا.
على أنه ولكي تنطلق مشروعات بناء نظم تبادل المعلومات إلكترونيا في المنطقة العربية، ومن بينها المملكة العربية السعودية، لابد من توافر مجموعة من المتطلبات الفنية والتشريعية والسياسية التي من بين أهمها:
1. توفير حرية تدفق المعلومات وعدالة حقوق الوصول إليها، ففي غياب مثل هذه الحرية، تتحول المعلومات من سلعة عادية، تخضع، شأنها شأن البضائع الأخرى، إلى قوانين السوق، بما فيها قوانين العرض والطلب، إلى مادة أمنية، تخيف من يحتاج إليها، وترعب من يعالجها، وتقلص بالتالي عدد المستفيدين منها، الأمر الذي من شأنه تقليص حجم السوق الذي ينبغي لها أن تتحرك في رحابه، ومن ثم يتعذر تداولها، وتفقد المعلومات، من جراء ذلك، حيوية تبادلها.
2. سن تشريعات تحمي حقوق ملكية تلك المعلومات، وتحدد قنوات تدفقها، وتنظم العلاقات بين أفراد المجتمع الذي يستخدمها. ففي غياب مثل تلك التشريعات تدب الفوضى في سوق المعلومات، وتتحول المعلومات من سلعة ذات قيمة، إلى مجموعة من حزم من البيانات غير المعالجة، وغير القادرة على خلق القيمة المضافة التي تولد الحاجة إلى اقتنائها، الأمر الذي من شأنه أيضا تجريد مؤسسات معالجة وبث المعلومات من كل الدوافع الضرورية التي تشجعهم على الانخراط في تداول المعلومات وفق إطار تشريعي محدد المعالم، تحكمه قوانين واضحة تنظم علاقات تبادل المعلومات فيما بينهم، سواء كانوا «مصنعين» للمعلومة، أو مسوقين لها أو مستهلكين لها.
3. خلق الوعي بالقيمة المضافة التي تولدها المعلومة، سواء في المؤسسات التعليمية، وفي المراحل المبكرة منها، أو عن طريق المؤسسات الإعلامية وقنوات الاتصال التي تستخدمها. والحديث هنا لاينحصر في الشق الترفيهي من المعلومات التي تخلق ذلك الوعي، بل يتسع ليشمل ما هو أكثر شمولية من ذلك، كي يغطي المعلومات في قطاعات ذات جدوى تجارية مثل قطاع الخدمات المالية، والصحية، بل وحتى الأمنية والعسكرية، طالما كانت لها القدرة على توليد القيمة المضافة بالمعنى التجاري لتعبير «قيمة مضافة».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2490 - الثلثاء 30 يونيو 2009م الموافق 07 رجب 1430هـ