في الحقيقة أن وزارة الإعلام بحاجة إلى وقفة مع النفس وتحتاج إلى من يقدم لها النصح لما تقوم به من تقطيع جلسات مجلس النواب، لأن ألف باء الديمقراطية أن تعرض الجلسات بما هي عليه في التلفزيون لا أن تقطع العبارات المهمة كاملة فيبدو خطاب المترافع هزيلا وضعيفا... وتلك هي مشكلة الإعلام البحريني، فهو يتعاطى مع الجمهور بطريقة سطحية، وإلا ما هذا الأسلوب الفج من تقطيع بث جلسات مجلس النواب؟ فترى ما دار في الجلسات عبر الصحافة شيئا، وما تبثه الفضائية البحرينية شيئا آخر. هذا طبعا يجعل المجتمع البحريني ينأى بنفسه عن مشاهدة بعض برامج فضائيتنا «العائلية» وذلك بسبب اهتزاز الصدقية بسبب مسلسل التقطيع الذي يمارسه الرقيب في مثل هذه الوزارات.
وأتعجب كثيرا من سكوت النخب والمثقفين وكذلك بعض نواب البرلمان من صمتهم على تقطيع مثل هذه الجلسات، إذ تعرض مبتورة مشوهة كوجه امرأة عجوز مصابة بالجدري، وهذا ما لا يحدث في كل ديمقراطيتنا العربية. أنا مثلا من المتابعين لمجلس النواب الكويتي وكذلك اليمني وغيرهما من المجالس التي تبث في الفضائيات العربية أسبوعيا، وألحظ مدى النقاشات المحتدمة والنقد اللاذع للوزراء ولأداء السلطة التنفيذية ونقاشاتهم للفساد المالي والإداري ويتم نقاش الوزير عن أمواله وممتلكاته وكيف حصل عليها وكيف بنى امبراطوريته المالية وكيف تتم المحسوبيات، و... الخ. حتى يتعجب المشاهد من صدقية الطرح والنقاش. وقد سألت أحد المثقفين اليمنيين عن البتر لجلسات المجلس، فقال: أبدا لا يستطيع أحد أن يقوم بذلك ولو حدث ذلك فإن النواب والمثقفين والشارع العام لا يقبل أن تزور الحقائق بحسب مزاج الإعلاميين وغيرهم... «يا سيدي هناك رقابة نيابية وشعبية ونخبوية أيضا!!».
لكن يؤسفني أن هذا الأمر مازال يحدث في مملكتنا الغالية من قبل وزارة الإعلام. بالأمس اطلعنا جميعا على جرأة وصدقية النائب عبدالنبي سلمان وهو يتكلم عن محسوبيات وتكدس العوائل والأقارب في الوزارات أثناء نقاشه مع وزير شئون مجلس الوزراء، إذ كانت مداخلته أشبه بصاعقة في سماء صافية وضع من خلالها الديمقراطية البحرينية على المحك، وذلك باقتحامه ملفا سيعرّض بعض الوزراء إلى المساءلة وربما الاستجواب من قبل البرلمان إذا استطاع النائب سلمان أن يختصر الوقت فيضع النقاط على الحروف من قوله ـ كما تم نشره في الصحافة ـ لا في الإعلام إذ قمت بمشاهدة الجلسة عبر قناة البحرين الفضائية عصر يوم الأربعاء فتم بتر 80 في المئة من نقاش النائب حتى باتت مداخلته مشوهة! أزيل منها كل تساؤلاته ونشر فقط وفقط الشكر وكلمات الترحيب، في حين تم عرض كل كلام وزير شئون مجلس الوزراء وقمت بتسجيل الجلسة لتقديم الشريط إلى النواب، إذ طرح النائب أسئلة على الوزير نتمنى من الوزير الإجابة عليها عمليا وبالأرقام إذ قال النائب: «إن التمييز انسحب حتى على البيع إذ لا يستطيع مواطنون التملك في منطقة الرفاع»، وأضاف: «تحرم فئات واسعة من خدمة وطنها من وظائف ليس في وزارتي الداخلية والدفاع فقط بل الأمر انسحب على شركات كبرى هي...»، ويقول: «شمل أيضا التعيينات الإدارية التي تسللت حتى إلى التعيينات في مجلس الشورى والنواب». وهنا ينبغي لرئيس مجلس الشورى الدكتور فيصل الموسوي أن يجيب عن هذا التساؤل الذي طرحه النائب بالإيجاب أو السلب، فالناس تسأل عن صدقية هذا الكلام، فهل يعقل أن يقع ذلك في مجلس يمثل الشعب؟ فإن كانت المعلومة خاطئة فليقل الرئيس إن ذلك لم يقع وخصوصا بعد نشرها في الصحافة، فالناس مشوشون من هذه المسألة، وكذلك السؤال يوجه إلى رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني، فهل ما طرحه النائب عبدالنبي من أن التعيينات الإدارية في توزيع الحصص وزعت بطريقة قائمة على المحسوبية أم لا؟
إن القضية خطيرة وتكمن خطورتها في أن الاتهام موجه إلى أكبر مؤسسة شرعية في البلاد، وهي التي يؤمل فيها محاربة الفئوية والمحسوبيات. أعتقد أن الكرة الآن في مرمى الرئيسين والصحافة والناس ينتظران الإجابة، كما ينتظران إجابة الوزير. ونرجو ألا يتم السكوت أو التغاضي عما أثاره النائب اعتمادا على نسيان ذاكرة الجمهور، لأن هناك من يقول: «إن الشعب لن يتنفس هواء سياسيا نظيفا حتى تحل هذه القضايا، فالتهميش والمحسوبيات وتكوش العوائل في الوزارات كل ذلك ذبح المجتمع»
العدد 249 - الإثنين 12 مايو 2003م الموافق 10 ربيع الاول 1424هـ