يرى الكاتب الياباني «هو كورتازي» المحلل السياسي في صحيفة «جابان (اليابان) تايمز». ان ما يقوله الزعماء السياسيون للدول الممثلة في مجلس الأمن الدولي، سواء كانوا مع الحرب على العراق أو ضدها، انه اذا لم تسد اراؤهم فان الامم المتحدة ستفقد الصدقية. لكن هذه ليست الحالة بالضرورة، فالامم المتحدة التي شكلت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تكونت في الاساس من الدول التي تعاونت لهزيمة قوى المحور وقد وصفت نفسها «بالمتحدة»، لكنها في واقع الحال كانت منقسمة على نفسها، لكنها جميعها كانت تعي ان الحاجة تدعو إلى منظمة دولية فعالة للمساعدة على حفظ السلام. وجاء ذلك في تصريحات صحافية نشرت في العاصمة الاردنية عمّان مؤكدا ان عصبة الامم التي شكلت بعد الحرب العالمية الاولى قد فشلت ولم تكن أكثر من دكان لتبادل الحديث، والتي، على رغم مثالية الرئيس الاميركي وودرو ويلسون، لم تكن الولايات المتحدة تنتمي إليها بسبب المواقع الانعزالية والمعوقة من قبل مجلس الشيوخ والرأي العام.
لم تستطع العصبة ان توافق على عقوبات ضد ايطاليا على رغم عدوانها الفاضح على اثيوبيا.
كما انسحبت اليابان التي لم تشأ ان تتعرض للانتقادات بسبب سياساتها في منشوريا، من العصبة.
وحتى يمكن اتخاذ اجراءات أكفأ لحفظ السلام في عالم ما بعد الحرب، أسس مجلس أمن تابع للامم المتحدة، بخمسة اعضاء دائمين، كل منهم يملك حق الفيتو، وعشرة اعضاء منتخبين، للتعامل مع أية تهديدات للسلام، ومن بين الاعضاء الدائمين الخمسة التي تملك حق الفيتو، كان يمكن للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ان يعلنا وضع قوة عظمى... ولم ينطبق هذا على الاعضاء الثلاثة الآخرين. فقد اضعفت الحرب الصين واليابان إلى درجة كبيرة، كما ان المانيا كانت قد هزمت فرنسا واحتلتها.
لكن الاعضاء الثلاثة، وخصوصا بريطانيا، كانت قد لعبت وبطرق مختلفة ادوارها في الحرب وكانت ما زالت تتطلع إلى ان تكون قوة عظمى.
خلال الحرب الباردة، واجه مجلس الأمن الفيتو السوفياتي، وقد بذلت محاولات لتجاوز المجلس باستخدام الجمعية العامة ليس فقط كمنبر للنقاش وانما ايضا لاصدار قرارات مهمة، واتضح على الفور ان قرارات الجمعية العامة لم تكن اكثر من تعبير عن خيبة الامل والاحباط.
بعد انتهاء الحرب الباردة تم الاعتراف من جديد بأهمية مجلس الأمن، لكن كان واضحا ان الاعضاء الدائمين الخمسة الاصليين لم يعودوا يدعون انهم يتفردون بالاهمية فمطالبة الدول الاخرى بعضوية دائمة في مجلس الأمن، وعلى الاخص اليابان والمانيا والهند والبرازيل تطلبت الاعتراف، ومن المؤسف انه لم يكن ممكنا التوصل إلى اي اتفاق لاصلاح تركيبة المجلس، فقد تدخلت كثير من مشاعر الحسد والمصالح، ويقال في بعض الاحيان ان الجمعية العامة هي برلمان الامم المتحدة وان مجلس الأمن هو مجلس شيوخها ببعض القوى التنفيذية، لكن الجمعية العامة ليست هيئة منتخبة ديمقراطيا.
كما انها لا تمثل الرأي العام، فأصغر الدول تتمتع بمكانة مساوية لمكانة الدول الكبيرة، وكثير من الدول الاعضاء ليست ديمقراطيات وتلك التي يمكن ان تدعي انها ديمقراطيات تملك فرصة ضئيلة أو لا تملك أية فرصة للتأثير على طريقة عمل الامم المتحدة.
ويرى «كورتازي» ان التشكيلة الحالية لمجلس الأمن بالكاد تمثل الرأي العام، حتى وان كانت العضوية فيه مختارة على أساس اقليمي، فالدول الافريقية الثلاث، وهي حاليا اعضاء في مجلس الأمن، لا تمثل أكثر من جزء متغير من سكان افريقيا وليست معنية بشكل مباشر بالقضايا المطروحة أمام المجلس.
الطريقة التي حاولت بها القوى البارزة في مجلس الأمن «اقناع» الدول العشر المختارة بدعم خطها، كانت في أفضل الاحوال غير مهذبة، حتى ان البعض قد يعتبر الجهود استقواء و/ أو رشوة، ومع هذا فان مجلس الأمن هو أفضل منظمة - اي المنظمة التي لدينا حاليا التي تحاول العمل من أجل تسوية سلمية للنزاعات الدولية.
تقول الولايات المتحدة وبريطانيا واسبانيا وبلغاريا ان صدقية الامم المتحدة في خطر اذا لم يتم تطبيق القرار 1441، وان العراق ينتهك هذا القرار وعدة قرارات سابقة أصدرها المجلس لنزع أسلحة العراق بشكل كامل.
وتقول فرنسا، التي تساندها المانيا وروسيا، والصين حسبما يبدو ان الحل السلمي ما زال ممكنا.
يجب الابقاء على الضغط على العراق ليمتثل لقرارات الامم المتحدة، واعطاء مزيد من الوقت للمفتشين وفي الوقت ذاته، فان المفتشين الذين طالبوا بمزيد من الوقت غير مستعدين لاجازة الحرب.
الرئيس جورج بوش فقد صبره وهو يعتبر نظام الرئيس العراقي صدام حسين تهديدا للولايات المتحدة وهو يرى ان الهجوم على العراق مبرر وفق مبدأ الدفاع عن النفس ولتطبيق الامتثال للقرار 1441، وبينما يمكن ان يرحب بقرار جديد عن مجلس الأمن فانه لا يعتقد انه ضروري وسيتصرف ضد العراق اذا تم استخدام الفيتو ضد قرار جديد.
يقول معارضو الحرب ان مثل هذا العمل الحربي من قبل الولايات المتحدة وحلفائها يمكن ان يرقى إلى درجة تحدي الامم المتحدة كما يقال ان رفض «اسرائيل» بدعم من الولايات المتحدة الالتزام بقرارات الامم المتحدة ما قوض قدرة الولايات المتحدة على لجم اعمال القوى الكبيرة.
لم يكن مجلس الأمن في واقع الامر في وضع يمكنه من لجم القوة العظمى الوحيدة في العالم وأية محاولة منه للقيام بذلك يمكن ان تبرز عجزها، وهذا لا يعني ان الولايات المتحدة ينبغي ان تتجاهل الامم المتحدة وهي تتمتع بحصانة مطلقة، لكنه يعني ان الفيتو في مجلس الأمن في الظروف الراهنة ليس أكثر من ايماءات فارغة تجعل عجز المجلس واضحا.
في الازمة الحالية، يجب على اعضاء مجلس الأمن المنقسمين بشدة على انفسهم ان يتجنبوا الظهور بمظهر الغطرسة او المزاج السيئ، فالولايات المتحدة من جانبها يمكن ان ترتكب خطأ كبيرا اذا شطبت الامم المتحدة في فورة غضب أو عاملت بازدراء اعضاء مجلس الأمن الآخرين الذين لا يؤيدون الموقف الاميركي.
تظل الامم المتحدة منبرا ثمينا ليس فقط من أجل التعبير عن هموم بقية العالم للولايات المتحدة فسيكون للامم المتحدة مهمة كبيرة في لملمة الامور بعد اي صراع فسيكون هنالك حاجة إلى المساعدات الانسانية على نطاق واسع والمصالحة بين الدول والاعراف والديانات ستتطلب النوايا الطيبة والجهود من جانب جميع المعنيين
العدد 249 - الإثنين 12 مايو 2003م الموافق 10 ربيع الاول 1424هـ