تؤكد غرفة تجارة وصناعة البحرين الممثلة لقطاع أصحاب الأعمال أنها تشاطر اهتمام القيادة الحكيمة بعمال البحرين، وتشدد من ناحية أخرى على إيمانها العميق بدور العمالة الوطنية، وبأهمية المضي في تعزيز مبادئ الحوار والتشاور والتعاون بين أطراف الإنتاج الذين هم شركاء في تطوير مملكتنا الغالية وتحقيق المزيد من العمل والإنتاج ومواجهة تحديات العولمة المستقبلية.
اننا بحاجة فعلية ملحة إلى تحليل تجربة الماضي والجهود التي بذلت والمبذولة حاليا، والمتعلقة بإجراءات تنظيم سوق العمل، والتدريب والإحلال والبحرنة، لكي تكون هذه الخطوات والجهود أكثر جدوى وفاعلية، وفق رؤية واستراتيجية تنطلق من الواقع، وترتكز على معلومات دقيقة واحصاءات موثوق بها، فتدرسه وتحلله، وتأخذ معطياته الايجابية والسلبية في الاعتبار. ثم تحدد على ضوئها أهدافا مرحلية، منطقية وعملية في آن واحد، ويراعى فيها التوازن في المصالح المشتركة بين العامل وصاحب العمل ليربح الجميع من هذا التوازن والجهد المشترك.
من تلك المنطلقات، أود أن أعرض وبصراحة، ونحن في عهد الصراحة والشفافية، مرئيات غرفة تجارة وصناعة البحرين وقطاع أصحاب الأعمال عن بعض المسائل والقضايا المتداولة، وأتمنى أن اكون موفقا في طرح هذه المرئيات وفي ايجازها في نقاط محددة، هي على النحو الآتي:
اولا: ان القطاع الخاص يرى في مشكلة البطالة أنها تمثل هما وطنيا لنا جميعا، وان الجهود التي بذلت باتجاه معالجة هذه المشكلة لم تستطع بلوغ النتائج المستهدفة منها، لأنها جهود غير مدروسة ولم تتجاوز الطريقة التقليدية، وان اعتقد البعض بأنها وضعت حلولا، فهي حلول مؤقتة وغير متوازنة ولم تستند إلى مشورة الأطراف المعنية التي هي اساسية في معادلة متوازنة تستند إلى استراتيجية، على الجميع الالتزام بها وتنفيذها للوصول إلى الحل المنشود.
ثانيا: أن اي خطوة لحل مشكلة العاطلين عن العمل يجب ألا تتم بإجراءات قسرية لا تراعي الواقع الاقتصادي، ولا ظروف وأوضاع وقدرة أصحاب الأعمال، ما يحملهم أعباء تفوق طاقتهم الفعلية، أو تعرضهم للخسارة، بل ضياع فرص العمل الحالية والمستقبلية، وأبسّط الصورة، فأقول ان اي صاحب عمل عندما يخسر ويغلق أبواب مؤسسته فإن العاملين لديه يخسرون وظائفهم، ومن الضروري والمصلحة أن نتجنب ذلك.
ثالثا: ليكن معلوما للجميع ان القطاع الخاص لم يكن في يوم من الايام، ولن يكون ضد إجراءات وخطوات البحرنة، ولن يتوانى عن تقديم المزيد من الاهتمام بالعمالة الوطنية، تنمية وتدريبا وتأهيلا وحماية ورعاية، وهو يعلم التبعات الاقتصادية والمردودات الإيجابية من عملية تدريب وتأهيل وتشغيل أبناء البلاد، ولا يمكن ان ننكر أن من واجب القطاع الخاص أن يدرب ويوظف فهي مسئولية وطنية يدركها القطاع جيدا.
اننا على قناعة بأن كل وظيفة يشغلها اجنبي هي شاغرة لمواطن مؤهل وراغب في العمل فعلا، إذ الرؤية الحقيقية للبحرنة لابد أن تتخلى عن العاطفة وتتجه نحو هدف استراتيجي يبعدنا عن التخبط وإيجاد معالجات غير مقبولة لمشكلة البطالة، كما يجب الا يغيب عن البال أن العمالة في اي بلد هي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد. والنمو الاقتصادي يأتي اولا ثم إيجاد فرص العمل الجديدة وليس العكس.
هذه حقيقة يجب ان نعيها جيدا. ولذلك فإن الضغط المتواصل على مؤسسات الأعمال والتي تجسد في عدة صور، منها على سبيل المثال عدم تجديد رخص العمل، أو الامتناع عن منح رخص عمل جديدة لوظائف ومهن يعزف عنها البحريني، هو أمر يجب إعادة النظر فيه، لأنه ليس له ما يبرره، وعلينا ان ندرك أن استقرار سوق العمل ووجود العمالة الوطنية والأجنبية في سوق تنافسية مفتوحة عامل مهم يشجع على الاستثمار وإنماء الاقتصاد ويساعد على استقرار الوظائف وتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين.
رابعا: اننا نعلم أن وزير العمل هو آخر من يمكن اعتباره مسئولا عن مشكلة البطالة الحالية، ولكن نعلم ايضا أن مسئوليته تفرض عليه التصدي لحلها، وهذا التصدي يجب ان يتم بإيقاع منظم ودقيق ومدروس ومقبول من العمال واصحاب الاعمال، إيقاع لا تتجاوز فيه الطموحات حقائق الواقع، ومن هنا فإنني اتطلع إلى أن يكون الوزير مثل الأب المنصف الذي يراعي بدقة متطلبات أفراد العائلة.
خامسا: ان حل مشكلة البطالة لا يؤخذ بمجرد تشغيل أفراد بصورة غير منظمة، ويجب ان ندرك أن البطالة تأخذ اكثر من مظهر، فهناك بطالة صريحة يجب ان نواجهها ونعمل على معالجتها بكل جدية، وأخرى مقنّعة، والأخيرة أخطر من الأولى. فهي كلفة مضاعفة، وهناك مثل فرنسي يقول: ان من يعالج البطالة الصريحة بالبطالة المقنّعة كمن يتقي البرد بإلقاء نفسه في النار، وهذا يوضح الفكر الوظيفي العالمي.
ونحن مدركون أن هناك مشكلة، وأن لها حجما ولكننا لا نعرف هذا الحجم حتى الآن حتى يتم على أساس ذلك بناء المعالجة السليمة للمشكلة التي تأخذ أبعادا غير مرغوب فيها في غياب مفهوم واضح ودقيق للبطالة، فالحاجة ضرورية لذلك حتى نستطيع ان نفرق بين العاطلين الجادين والراغبين في العمل حقا، والعازفين عن العمل. وهذه فئة يجب ان نعترف بأنها موجودة، ويجب الا تخلط مع الفئة الاولى، وهي الفئة التي يجب على القطاعين الخاص والعام استيعابها وبسرعة والاعتماد عليها والاستفادة من استعدادها وإنتاجيتها.
أما بالنسبة إلى العازفين أو الذين يفتقرون إلى الجدية والانضباطية وتحمل المسئولية في العمل، وهذه حقيقة كما قلت يجب ان نقر بوجودها، فإن على وزارة العمل هنا إيجاد السبل الكفيلة بمساعدتهم وتغيير أنماط سلوكياتهم بتأهيلهم وتدريبهم وجعلهم أكثر إحساسا بقيمة العمل وبأهميته والالتزام تجاهه.
سادسا وأخيرا: قيل الكثير عن قضية التدريب، وبغض النظر عن ذلك فإن الحاجة أصبحت اكثر من ضرورية لايجاد رؤية جديدة تحقق النقلة النوعية المطلوبة في التدريب وتنمية مواردنا البشرية ودمج جهود الجهات الرسمية في استراتيجية موحدة في تعليم وتدريب وتأهيل المواطن ليواجه مستقبلا عملا مثمرا ومنتجا يرتكز على التعليم والتدريب النوعي الذي يلبي الحاجة الفعلية لسوق العمل. ونحن في غرفة تجارة وصناعة البحرين باشرنا في إطار المساهمة في صوغ هذه الرؤية في إعداد تصورات مع ذوي العلاقة في القطاع الخاص عن إنشاء شركات تعنى بتأهيل وتدريب وتوظيف البحرينيين في قطاعات مختلفة، وننظم حاليا اجتماعات مكثفة مع مراكز ومعاهد التدريب الخاصة في سبيل وضع هذه الرؤية في إطارها العملي. كما أننا في الغرفة نضع اللمسات النهائية لمشروع تأسيس مكاتب متخصصة في توظيف وتشغيل البحرينيين وعلى مستوى رفيع بحيث تكون بمثابة همزة وصل فاعلة بين العمال وأرباب العمل.
والكل يعلم انه لا يمكن أن توجد شركات من دون عمال، أو عمال من دون شركات، فلنضع ايدينا مع بعضنا بعضا لتكون مملكتنا الغالية مركزا يحتضن العمالة البحرينية التي تمثل نموذجا يحتذى به في المهارة والتأهيل والانضباط والانتاجية، والتي بالنتيجة يمكن ان يتهافت عليها المستثمرون في المنطقة وخارجها، لانه كلما تعززت سمعة البحرين في هذا المجال ازدادت قوى الجاذبية للعامل البحريني وقدرته على خوض معترك المنافسة، وهو ما يضاعف من فرص العمل الجديدة أمام عمالتنا الوطنية.
هذه الملاحظات أطرحها بكل شفافية، وارجو ألا يساء الفهم في طرحها، فالنوايا صادقة، وخصوصا أننا نعيش عصرا من المكاشفة والوضوح والرغبة الجادة في معالجة مختلف القضايا والأمور المتصلة بواقعنا بهدف الانطلاق به دائما نحو الأفضل
إقرأ أيضا لـ "خالد كانو"العدد 249 - الإثنين 12 مايو 2003م الموافق 10 ربيع الاول 1424هـ