العدد 2488 - الإثنين 29 يونيو 2009م الموافق 06 رجب 1430هـ

هيئة للحقيقة وإنصاف ضحايا التعذيب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الوقت الذي احتفلت دول العالم باليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، اعتصم عددٌ من المواطنين البحرينيين عصر الجمعة الماضي في العاصمة (المنامة)، مطالبين بتعويض ضحايا التعذيب وجبر الضرر ومحاكمة من أسموهم بالجلادين.

الاعتصام دعت إليه 11 جمعية سياسية وهيئة حقوقية من منظمات المجتمع المدني، شكّلت «التحالف البحريني من أجل الحقيقة والإنصاف والمصالحة». وهو مطلبٌ عام يلتف حوله كثيرون، فضحايا الحقبة السوداء لم يكونوا من فصيل سياسي وطني واحد، أو لون طائفي معيّن، فـ «قانون أمن الدولة»، لم يوفّر أحدا من أصحاب الآراء السياسية المعارضة.

الاعتصام لم يكن الأول ولن يكون الأخير؛ لأن هناك ببساطةٍ ملفا معلّقا، لا تريد بعض الجهات حلّه بطريقةٍ حضاريةٍ تحفظ للأطراف كافة كرامتها. والضحايا لم يكونوا عشرات، وإنما كانوا في بعض الفترات بالمئات، وفي فترات أخرى بالآلاف.

الطرف الأهلي كان جادا في البحث عن مخارج وحلول لهذه العقدة طوال السنوات الماضية، فقد حرص على تنظيم فعاليات وندوات ووش عمل، شارك فيها خبراء ومختصون من دول عربية وأجنبية. وفي كثيرٍ من هذه الفعاليات استمع البحرينيون إلى تجارب تلك الدول، في الإنصاف والمصالحة، بما فيها من مصطلحات جديدة كالعدالة الانتقالية وهيئات الحقيقة.

هذه التجارب البشرية حقلٌ غنيٌ للاستفادة، وخصوصا من قبل الدول التي ابتليت بممارساتٍ مخجلةٍ وانتهاكاتٍ فاضحةٍ لحقوق مواطنيها السياسية والمدنية. والعاقل مَنْ استفاد من تجارب غيره ووظفها لاستقرار بلده ومستقبله، لا مَنْ يصرّ على أخطاء ماضيه بما فيه من بقعٍ سوداء.

من بين التجارب الرائدة، هناك تجربة جنوب إفريقيا، التي أسدلت الستار على تاريخٍ طويلٍ من العنصرية والتمييز العرقي، بعد فترة انتقالية لابد منها لمعالجة الآثار النفسية التي مرّ بها الضحايا. وهناك التجربة المغربية الأقرب إلينا بحكم اللغة والدين وتشابه الظرف السياسي. وهي تجربةٌ نجحت إلى حدٍ كبيرٍ في تضميد الجراح، وتعويض الضحايا، دون أن يفهم منها النظام المغربي بأنها انكسارٌ أو هزيمةٌ أو تنازلٌ للمعارضة.

اليوم، هناك مطلبٌ بشأن إنشاء هيئة وطنية للحقيقة والإنصاف والمصالحة، وهو ليس جديدا، فقد سبق طرحه قبل ثلاث سنوات لإنهاء معاناة آلاف البحرينيين الذين تعرّضوا لانتهاكات طالت حقوقهم وإنسانيتهم في حقبة أمن الدولة. وهذا الملف الحقوقي يحتاج إلى ضميرٍ وشجاعةٍ وتغليبِ المصلحة العامة للخروج من هذا الدهليز، وإنصاف من تعرّضوا للتعذيب في أقبية السجون، أو للقتل خارج القانون.

القضية واضحة الأركان، ولدينا اليوم وزراء يُصنّفون في خانة «الإصلاحيين» في الداخلية والخارجية، والبحرين وقّعت على معاهدات وعهود دولية توجب اتخاذ خطوات عملية على هذا الطريق. وهناك بالمقابل جهاتٌ لا يهمها الإنصاف ولا المصالحة، ولذلك تبحث عن مبررات لاستدامة المظالم وتأخير العدالة والإنصاف. بعضهم يشوّش على هذه القضية العادلة بخلط الأوراق، وتبرير الانتهاكات بما فعله الاحتلال الأميركي في العراق وأفغانستان! وبعضهم يتصرف بطريقةٍ تنم عن الخفة والسفاهة، إذ يقلب معاناة آلاف المواطنين المعذّبين في السجون عبر ثلاثين عاما... إلى قضايا إرهاب!

هؤلاء الديماغوجيون لا يفيدون النظام السياسي شيئا، فما يصلح مادة لمماحكات شخصٍ منفلتٍ يكتب بياناته مجموعةٌ من الصبية، لا يصلح في الدفاع عن سجل دولةٍ عصريةٍ تسعى لتحسين صورتها في مجال حقوق الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2488 - الإثنين 29 يونيو 2009م الموافق 06 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً