العدد 2488 - الإثنين 29 يونيو 2009م الموافق 06 رجب 1430هـ

الدولار داء الأزمة والعملة العالمية دواؤها (1/2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كان يمكن أن يكون إعلان السلطات الأميركية عن إفلاس بنك «كوميونيتي بنك أوف ويست جورجيا» ومعه أربعة مصارف أخرى، كي يصل عدد المصارف الأميركية التي أعلنت إفلاسها إلى 45 مصرفا، خبرا عاديا في أجهزة الإعلام الأميركية والعالمية. فرساميل تلك البنوك وأصولها صغيرة جدا عندما تقارن بالمصارف وشركات الاستثمار التي سبق أن أعلنت إفلاسها منذ اندلاع الأزمة. تكفي الإشارة هنا إلى مؤسستين ماليتين من مستوى «بنك ليمان بروذر» وشركة «ي آي جي» للتأمين، لتأكيد صحة ذلك. بل إن خسارة مؤسسة ضمان الودائع الجمعة بسبب إفلاس المصارف الخمسة لم تجاوز 264.2 مليون دولار، من أصل مجموع خسائر بلغت منذ بداية العام نحو 11.94 مليار دولار، مقارنة بنحو 17.6 مليارا طوال العام الماضي.

الجديد في الموضوع، والذي ضاعف من أهمية الخبر ومدلولاته، الاقتصادية والسياسية، هو أن هذه الخسارة ترافقت مع عودة الصين مرة أخرى إلى مطالبتها بالبحث عن بديل يحل مكان الدولار كعملة عالمية، إذ كرر البنك المركزي في الصين «الدعوة للبحث عن عملة عابرة للدول كي تأخذ المكانة التي يحتلها الدولار الأمريكي». واقترح رئيس البنك المركزي الصيني القبول «بوحدة حقوق السحب الخاصة المعتمدة من قبل صندوق النقد الدولي منذ العام 1969». ولم يخف الصينيون مخاوفهم من عدم قدرة الحكومة الأميركية الحالية على تجاوز الأزمة الاقتصادية، لأنه من الصعب، حسب أقوال رئيس البنك «إيجاد التوازن المطلوب بين السياسات المحلية الأميركية وبين ما يتطلبه كون الدولار العملة الأساسية للاحتياطات النقدية العالمية».

وكانت الصين قد سبق لها أن أوصت لجنة شكلتها الأمم المتحدة من كبار الخبراء الاقتصاديين بأن تدرس إمكانية «وضع نظام جديد للاحتياطيات النقدية الدولية بدلا من الدولار الأميركي»، منددة بشدة «نظام استخدام الدولار عملة احتياطيات دولية، واصفة ذلك النظام بأنه نظام غير مستقر ويصب في مصلحة الولايات المتحدة».

هذا العودة الصينية الواضحة، أجبرت رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس، الذي لم يكن في استطاعته الدفاع عن أوضاع الدولار كعملة دولية، والاقتصاد الأميركي كضمان لنموذج اقتصادي عالمي، لكنه حاول أن يخفف من حقيقة هذه المخاوف بالقول «إنه لا يواجه تهديدا في الوقت الراهن، واصفا المطالب باعتماد نظام جديد للاحتياطيات الدولية بعيدا عن العملة الأميركية بأنها غير مستساغة».

ما يضفي على هذه الدعوة الصينية صبغة مميزة، كونها تأتي أيضا في سياق دعوات أخرى سبقتها، ومن أهمها تلك الخطوة التي أعلنت عنها منظمة الأقطار المصدرة للنفط «أوبك» التي دعت علنية إلى استبدال الدولار كعملة عالمية. ففي فبراير/ شباط من العام 2008، أعلنت «أوبك» في تصريح خص به أمينها العام عبدالله البدري مجلة «ميد» البريطانية ، قائلا «إن المنظمة تدرس إمكانية تسعير النفط باليورو بدلا من الدولار حتى وإن استغرق تطلب ذلك التحول بعض الوقت».

وبعد الأوبك، وتحديدا في الثاني من أبريل/ نيسان 2009، خاطب الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف زعماء دول مجموعة الـ20، داعيا إياهم النظر في إمكانية «إيجاد بديل عن الدولار الأميركي كعملة احتياط عالمية بزيادة أمانة العملات التي تتكون الاحتياطات المالية منها، بعدة طرق بينها توسيع قائمة العملات التي يمكن اعتمادها كعملة احتياط أو إنشاء عملة احتياط (فوقية) ليست لها هوية وطنية أو قومية وتصدرها وتطبعها مؤسسات مالية دولية».

ولفهم مدلولات وأهمية مثل هذه الدعوات، ينبغي تسليط الضوء على الانعكاسات الاقتصادية والمالية الناجمة عن اعتماد الدولار كعملة عالمية. فقبل الدولار، وتحديدا قبل الحرب العالمية الثانية كان الذهب هو «العنصر» الذي تتم بمقتضى أسعاره، المبادلات التجارية العالمية كافة، إذ لم يكن هناك حينها أي شكل من أشكال الاتفاق العالمي على عملة معينة، كما هو الحال اليوم مع الدولار، كي يحل مكان الذهب.

لكن نتائج الحرب العالمية الثانية، والحيز الذي احتلته الولايات المتحدة في العلاقات التجارية والسياسية على حد سواء، يضاف إليها المميزات التي كان يتمتع بها الاقتصادي الأميركي حينها، يضاف إلى كل ذلك ازدياد التبادل التجاري بين الدول بعد تلك الحرب، الأمر الذي اقتضى وجود عملة «مرجعية» تتم تلك التبادلات وفقا لسعرها العالمي. حينها بادرت واشنطن إلى وضع عملتها كي تكون هي المعيار الدولي، ملتزمة بأن تتولى الحكومة الأميركية توفير الذهب الموازي لقيمة تلك المبادلات، أي تغطية عملتها بالذهب، من خلال التزام الولايات المتحدة بالدفع للدولة القابضة في أي تبادل تجاري، بالذهب، ما تقبضه بالدولار. استمرت واشنطن في الوفاء بوعدها لعشرات السنين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن في منتصف السبعينيات بدأت الولايات المتحدة تفقد الكثير من ذهبها، الأمر الذي أرغمها إلى الدعوة لتغيير تلك الصيغة، مطالبة الدول بالاحتفاظ، هي الأخرى، بالدولار كعملة احتياطية، والاستمرار في القبول بالدولار كعملة عالمية للتبادل التجاري، متخلية بذلك عن التزامها في تغيير الدولارات المتراكمة لدى تلك الدول بالذهب الذي يفترض أن يكون متوفرا لديها، الذي بدأت تستبدله بطباعة المزيد من أوراق العملة المضمونة من البنط الفيدرالي الأميركي.

هذا جعل الدولار يتبوأ مكانة اقتصادية عالية ومميزة، وأعطى الأميركان موقعا سياسيا تسلطيا على ساحة العلاقات الدولية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2488 - الإثنين 29 يونيو 2009م الموافق 06 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً