العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ

«سلطات التأويل» وثراء النص

حين يجتذبك النص لتنطلق في أفيائه فإنك واقع لا محالة تحت تأثير سلطات متعددة ليس لها أول ولا آخر ومنذ أن بدأ السابر يتواصل مع النص والسلطات التأويلية لا تنفك عن ملاحقته، والتعالق معه، فما أكثر بؤس النص، وما أثراه - من نص - حين تتظافر عليه السلطات المتلاحقة منذ سلطة التاريخ، إلى سلطة المؤلف، إلى سلطة القارئ، إلى سلطة السياق والأنساق الخفية، وسلطة النص نفسه، إلى سلطة النظريات الظاهر القادرة على أن تتناول كل شيء وتضعه تحت جناحها لتتدثر به.

ولعل من أهم الأمثلة بؤسا سلطة التاريخ حين تستهوي السابر فتجعله يقرأ النص كعلامة ليس لها مهمة أكبر من تسجيل الحدث وأرخنته، وما النصوص لديها سوى مخزن للأحداث كما هي تداعيات مقولة الشعر ديوان العرب، وبها لا يكون هم السابر سوى البحث عن طريقة يربط بها بين النص والحدث التاريخي محيلا أحدهما على الآخر مطبقا ما في التاريخ على ما في النص حذو القدة بالقدة والنعل بالنعل أو يكون النص ليس أكثر من حدث تاريخي أو علامة من علامات الحدث.

ولكنها في الوقت نفسه تثريه ووتتجذر به في أعماق التاريخ وأعماق الناس ورغم محاصرته بالحدث إلا أنها تزرعه في الأرض وفي نفوس الناس وبما في نصوص أخرى، كعلامة دالة تبعث الكثير من التأويل.

فما أكثر بؤس النص حين تأسره النظريات في تأويلاتها، وما أثراه من نص حين تطلقه من أسر نفسه.

هكذا تردد ت في بدء هذه السطور بين مفهومين هما البؤس الثراء فشرعت أوائم بينهما بشيء من التسامح على ما بينهما من تمفصل وفراق واختلاف، فكم تعتري هذا النص المسكين من سلطات لا تنتهي، ولكنه على الرغم من كونها تتسلط عليه وتؤوله لصالحها إلا أنها تقوم بإثرائه وتزيد من عمقه واستمكانه في استماتة من أجل أن يبقى النص حيا لمدة أطول من عمره الزمني المفترض، فانظر إلى حياة النصوص التي توالت عليها السلطات التأويلية واللغوية، وكم مضى عليها من الزمن وهي مازالت مستمكنة حتى في هذه الأيام التي دخلت في قطيعة تامة معها إلا أنها بعد طول عراك ومخاصمة عادت لتتصالح معها وتعتبرها من أهم جذورها التحديثية، وليت شعري ما ثبات تلك النصوص بعد كل هذه السلطات إلا لأفق قصيِّ، فيها وليس ذلك إلا لحساسية فنية وثراء إمكاني في النص.

العدد 2484 - الخميس 25 يونيو 2009م الموافق 02 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً