العدد 2481 - الإثنين 22 يونيو 2009م الموافق 28 جمادى الآخرة 1430هـ

أحجية الفرخة والبيضة في الصراع العربي الإسرائيلي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هدأت الزوبعة التي تلت خطابي الرئيس الأميركي باراك أوباما في جامعة القاهرة، ورئيس الوزراء «الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن أسس الحوار للخروج بحل إستراتيجي عادل مقبول للأطراف الدولية للصراع العربي الإسرايلي، وفي القلب منه النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. وحلت مكانها عاصفة جديدة أطلقها نتنياهو ذاته، حينما كشف، كما أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن تخصيص «الموازنة الاسرائيلية الجديدة لعامي 2009 و 2010 ، مبلغ 250 مليون دولار لبناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية»، بالرغم من كل الضغوط العالمية المطالبة بتجميد الاستيطان، من بينها حوالي أربعين مليون دولار لبناء حي جديد في معالي ادوميم، إحدى أكبر مستوطنات الضفة الغربية، في حين يخصص مبلغ 125 مليون دولار لتمويل نفقات أمنية». وهذه ليست الأرقام الحقيقية، إذ يعتقد أمين عام حركة «السلام الآن» ياريف اوبنهايمر المعارضة للاستيطان «أن الأرقام الفعلية للاستثمارات العامة في المستوطنات اعلى بكثير و»مخبأة في فصول عدة من الموازنة».

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الموازنة هي حلقة جديدة في المسلسل الاستيطاني الإسرائيلي، ففي العام 2008 وحده، وكما نقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية « بأن لجنة إسرائيلية لتخطيط المدن أعطت الضوء الأخضر الجمعة لبناء 1300 مسكن إضافي للمستوطنين اليهود في القدس الشرقية المحتلة ستُبنى في حي رامات شلومو الذي يضم أصلا حوالي 2000 وحدة سكنية شمال مدينة القدس».

وطبقا لإحصائيات وزارة الداخلية الإسرائيلية الرسمية التي نشرتها في أغسطس / آب 2006 ، فإن «عدد المستوطنين الذين يقيمون في الضفة وصل لنحو 260 ألفا و42 إسرائيليا بزيادة تقدر بحوالي 7 آلاف نسمة خلال 6 أشهر. كما لا تأخذ تلك الإحصائيات في الاعتبار حوالي 200 ألف مستوطن يقيمون في القدس الشرقية المحتلة».

مقابل هذه الهجمة الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة، تطالعنا وسائل الإعلام العربية بما أكده الرئيسان السوري بشار الأسد والفلسطيني محمود عباس في لقائهما الأخير على «ضرورة توحيد المواقف العربية لـ مواجهة سياسة حكومة بنيامين نتانياهو المستمرة في بناء المستوطنات ووضع عراقيل أمام قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، مشددين على أهمية وقوف الفلسطينيين صفا واحدا في وجه الإجراءات الإسرائيلية».

في الوقت ذاته يجري وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، الأحد مباحثات مع الرئيس المصري، حسني مبارك، والمسئولين الفلسطينيين تتمحور حول عملية السلام، والأوضاع في غزة والجندي الإسرائيلي المختطف لدى «حماس»، جلعاد شاليط. وسبق الإعلام الإسرائيلي تلك المباحثات المصرية – الإسرائيلية بالإشارة إلى ما أطلق عليه بـ «ارتفاع طفيف في عدد الأسرى الفلسطينيين إلى 1100 أسير مقابل إطلاق سراح الجندي شاليط».

من الناحية الشكلية، قد لاتبدو هناك أية علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين الأحداث الثلاثة، لكن بعض التمعن يكشف عمق العلاقة بين كل منها والآخر، كي توصلنا في نهاية المطاف إلى حقيقة المأزق الذي يواجهه الصراع العربي- الإسرائيلي. فبينما يخصص نتنياهو مبلغ 250 مليون دولار لبناء مستوطنات جديدة، يجتر لقاء الزعيمين العربيين في دمشق شعار عقيم لاكته ألسن الحركة السياسية العربية لما يزيد على نصف قرن من الزمان. وفي الوقت ذاته، تستقبل القاهرة «عاصمة العرب» كما يحلو للبعض أن يطلق عليها، بلقاء منفرد يبحث تبادل آلاف الأسرى الفلسطينيين، بأسير إسرائيلي.

السؤال اليوم أيهما يسبق الآخر: وحدة الموقف العربي، أم إيقاف المستوطنات، أم الشروع في تبادل الأسرى؟ هذا السؤال شبيه بأسئلة عربية مصيرية أخرى وقف أمامها المواطن العربي، ومن بينهم الفلسطيني من نمط: أيهما ينبغي أن يأخذ الأولوية في بناء الدولة أو حتى الدول العربية العصرية، مواجهة العدو الصهيوني، أم تعزيز الديموقراطية، وفي القلب منها تعزيز المواطنة؟

وعلى مدى الخمسين سنة الماضية كانت المحصلة لكل تلك التساؤلات، وكما يكشفها الواقع هي: ازدياد التمزق العربي على الصعيدين الإقليمي العام، والقطري الخاص، حيث تفتت الكتلة العربية على الصعد كافة: السياسية والاقتصادية، وبالقدر ذاته تمزقت كل دولة على حدة. تشهد على ذلك دلائل كثيرة، أهمها مشاريع الوحدة العربية التي طرحت خلال السنوات الخمسين سنة الماضية، وما رافقها من تفتيت مشابه في دول قطرية مثل لبنان والعراق والمغرب. ضاعف من سوء تلك الحالة ظاهرة القمع الواسعة التي عمت البلاد العربية خلال الفترة ذاتها، وما رافقها من مصادرة لكل شكل بسيط من أشكال ممارسة المواطنة، وفي الوقت ذاته توسع ملحوظ في حدود الدولة العبريةعلى الصعيدين الأفقي، حيث استولت على المزيد من الأراضي أضافتها إلى ما سلبته في العام 1948، وعلى النطاق العمودي بمضاعفة عدد السكان من خلال تشييد المزيد من المستعمرات وزيادة عدد وكثافة سكانها.

كان على المواطن العربي أن يلزم الصمت أمام كل تلك الظواهر، فيضحي بحلمه الوحدوي على مضض، ويوافق على مصادرة حقوقه، بل وتجريده من أبسط تلك الحقوق، بما فيها المسكن الملائم، والخدمات الصحية والتعليمية الضرورية، من أجل «تجيير كل الطاقات» من أجل «معركة التحرير والمواجهة ضد العدو الصهيوني».

حالة التيه التي تعصف بالمواطن العربي تعيده إلى سؤال بسيط تبدو إجابته في غاية الصعوبة: أيهما سبق الآخر الفرخة أم البيضة؟ وإلى أن يكتشف المواطن العربي تلك الإجابة عليه أن يقبل بأوضاعه المتردية، ويحق لـ»إسرائيل» أن تنعم بما تحققه على أرض الواقع من مكاسب، تحولها إلى حقائق مرة قد تقبل بها الأجيال العربية القادمة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2481 - الإثنين 22 يونيو 2009م الموافق 28 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً