في آخر اجتماع عقد في شهر رمضان الماضي في منزل وزير شئون مجلس الوزراء محمد ابراهيم المطوع وبحضور وزير الاعلام نبيل يعقوب الحمر واعضاء اللجنة المكونة من ثلاثة زملاء صحافيين اختارتهم المجموعة التي اعدت مبادئ قانون النشر للجنة تفعيل الميثاق وهم الزملاء (ابراهيم بشمي، سوسن الشاعر، وغسان الشهابي) بالاضافة إلى رؤساء التحرير للصحف العربية الثلاث في البحرين (اخبار الخليج/الايام/الوسط).
في هذا الاجتماع الاخير تم اقرار الملاحظات التي اعدها الزملاء الثلاثة ووافق عليها رؤساء التحرير، وقدمت إلى الوزراء الممثلين في اللجنة لمناقشة هذه الملاحظات وابداء رأيهم فيها ثم تم الاتفاق على عقد الاجتماع النهائي لوضع الصيغ المتفق عليها بين الطرفين بشأن قانون النشر لترفع إلى مجلس الوزراء لاقرارها ومن ثم تحال إلى مجلس النواب والشورى.
إلا اننا حقيقة فوجئنا وبعد حوالي اربعة اشهر من التأخير انه تم تسريب النص المعدل من قبل الشئون القانونية بطريقة ما إلى احدى الصحف المحلية ونشر فيها بشكل موجز لتقوم وزارة الاعلام باستدعاء نصف اعضاء اللجنة وهم رؤساء التحرير فقط واهمال النصف الثاني الذي قام بالعمل من بدايته حتى تسليم كل الملاحظات التي تمثل رؤى الجسم الصحافي في القانون الجديد.
والاعجب من ذلك ان يقوم وزيران بإلغاء اللجنة التي شكلها سمو رئيس الوزراء الموقر لتلقي الملاحظات على هذا القانون، والذي يعتبر صدوره بصيغته الحالية عودة إلى الوراء... فكيف حدث مثل هذا الامر؟!
ما علينا من كل ذلك.... ألغوا اللجنة. او لم يستدعوا من قام بالعمل فهذه امور لا تدعنا نصاب باليأس أو بالاحباط وانما تدعنا ان نلاحق هذا القانون الذي اصيب بلعنة القوانين العثمانية التي تريد ان تكمم الاقلام، فالبحرين بتحولاتها الديمقراطية في جهة وقانون المطبوعات يسبح ضد هذا التيار.
ماذا أخذت الجهات الحكومية من ملاحظات اللجنة وماذا لم تأخذ؟! وما القضايا المسكوت عنها وهي الفخ الاكبر المنصوب للصحافيين؟ وعماذا تعبر مثل هذه العقلية التي تريد ان تحيك في الظلام ما لم تستطع ان تحيكه بالاساليب الديمقراطية؟!
ولعدم الاطالة اوجز أهم النقاط الرئيسية التي اكدتها مبادئ قانون المطبوعات والنشر المقدمة إلى لجنة تفعيل ميثاق العمل الوطني، وحتى نرى هل تناغم القانون الجديد/ القديم معها.
- تأكيد مبدأ حرية الصحافة بما في ذلك حرية اصدار الصحف.
- تأكيد حرية الطباعة وتشجيع الاستثمار فيها.
- تأكيد حرية التعبير.
- تأكيد حرية الحصول على المعلومات وحماية سرية مصادرها.
- أن يكون الاساس الجديد للقانون هو الاباحة والاستثناء هو المنع.
- أن تُنظر التظلمات من القرارات الادارية أمام القضاء.
- إلغاء اي شكل من اشكال الرقابة المسبقة على الصحافة والنشر.
- تأكيد استقلالية المؤسسات الصحافية وضمان حقوق الصحافيين والكتّاب في التعبير عن آرائهم.
- ضرورة ان ينظم القانون اعمال الصحافة والنشر كافة بما فيها الصحافة والنشر الالكترونيين (والاعلام المرئي والمسموع).
- أن يكون قرار منع توزيع المطبوعات التي تتضمن امورا خارجة على القانون بيد القضاء بحيث يأتي المنع بعد الطبع وليس قبله.
- إعادة النظر في العقوبات الواردة في القانون الحالي.
إلا ان كل تلك الآمال والتمنيات في هذه المبادئ لوضع مشروع قانون جديد للصحافة تلاشت بصدور القانون سيئ الصيت الذي قام مخيّطوه باستعمال الخيوط القديمة نفسها التي استلوها من القانون القديم، ومن الواضح ان من قام باعداد القانون كان «منشغلا» او «مشتغلا» بقراءة القانون القديم إلى درجة انه لم ير أو يشاهد كل تلك المتغيرات التي شهدتها البحرين من العام 2001 من حريات وديمقراطيات وانتخابات وميثاق و... و... لذلك كانت مرئيات اللجنة الاساسية على هذا القانون تتركز في الآتي:
أولا: إن قانون تنظيم الصحافة والنشر الجديد لم يتناغم في فلسفته القانونية مع التطورات السياسية والتقنية العالمية إذ تجاهل هذا القانون البث الاذاعي والتلفزيوني والنشر الالكتروني، وكذلك اغفل هذا القانون ما جدّ على المستوى العالمي من قضايا تتعلق بحقوق الملكية والعلامات التجارية.
بالاضافة إلى ذلك لم يستقرئ القانون في ثناياه الانفتاح العالمي والدعوة إلى استقطاب المستثمرين في مجال البث الفضائي والطباعي ومحاولة تقليل العقبات القانونية والبيروقراطية.
ثانيا: لم ينطلق واضعو القانون من المتغيرات السياسية التي دخلت فيها البحرين لإرساء نظام ديمقراطي قائم على توازن السلطات وعلى نظام من التعددية السياسية والثقافية وإيلاء الاعلام في هذه المتغيرات الدور الرقابي المطلوب منه.
ومن الواضح ان صيغ وفقرات هذا القانون منقول في معظم فقراته من نص قانون 1979 الذي صيغ في ظروف سياسية مغايرة للظروف الحالية، وهو منقول عن نصوص القوانين المصرية المنقولة من القوانين العثمانية التي وضعت في العام 1910، وأغفل الناقل المسار الزمني والتاريخي والمتغيرات الكثيرة ما بين الواقع في البحرين وواقع القوانين العثمانية والتي طبقت في البلدان العربية آنذاك. وبالتالي صيغ القانون الجديد من فلك النصوص التي تم انتقاؤها من هنا وهناك وخلا من الرؤية القانونية الموحدة لما يحتاجه مجتمع البحرين الديمقراطي من قانون يتواكب وهذه المتغيرات الديمقراطية ويلبي احتياجات المجتمع المستقبلية.
لذلك راعت اللجنة في دراستها لإعادة النظر في صوغ قانون المطبوعات والنشر شكلا وموضوعا ما يلي:
أولا: إنها رجحت الرقابة القضائية بدلا من القرار الاداري.
ثانيا: سايرت اللجنة النهج المتقدم في المطبوعات والنشر باستبعاد عقوبة السجن في كل ما يتعلق بالعقوبات الواردة في القانون.
ثالثا: رأت إحالة الكثير من المواد الى المبادئ العامة في القانون منعا للتزيد غير المحمود في النصوص.
رابعا: راعت الاتجاه المتقدم في كفالة الحقوق العامة والخاصة للمتضرر بحق الطعن أمام القضاء.
خامسا: حاولت الابتعاد في النصوص عن العموميات والعبارات التي تحمل أكثر من تأويل ضمانا لمزيد من الحريات العامة ولمزيد من الحماية للمشتغلين بالإعلام.
سادسا: إن حماية الحريات وتطبيق مبدأ الشفافية والديمقراطية يتطلب أن تتضافر كل الجهود الرسمية والأهلية لتطبيق هذا المبدأ المتقدم ولا تتهادم ولا تتنافر الأمر الذي قد يقلل من هامش الديمقراطية والشفافية، والمبدأ العام هو حسن النية في التطبيق لأن النصوص تتناهى والوقائع لا تتناهى.
كما قامت اللجنة بتقديم ملاحظاتها التفصيلية على كل مادة من مواد القانون وصيغت هذه الملاحظات بشكل واضح ودقيق إذ قامت بتقسيمها إلى أربعة جداول إذ يتضمن الجدول الاول عنوان (المبدأ القانوني) أي النصوص والتفاسير القانونية للمادة المعترض عليها. ويتضمن الجدول في شقة الثاني (النص) المعترض عليه من القانون الجديد، أما الجدول الثاني فهو (النص) المقترح من اللجنة، وترك الجدول الاخير فارغا وقد كتب عليه (ما يتفق عليه) أي ما يتفق عليه بين ممثلي الجسم الصحافي والطرف الذي يمثل السلطة التنفيذية بعد النقاش والمداولة والذي كان من المقرر عقده بعد الانتهاء من دراسته من قبل اللجنة الوزارية.
إلا أن هذا الاجتماع ضرب به عرض الحائط واللجنة التي شكلها صاحب السمو رئيس الوزراء الموقر وئدت لأغراض عززت ما في النفوس من توقعات سوء نية مبيتة لتمرير هذا القانون السيئ الصيت في اعداده وفي محاولة تمريره. وإلا لماذا لم يعقد هذا الاجتماع؟ ولماذا لم تتم مناقشة ملاحظات الجسم الصحافي بشكل حقيقي وصحيح كما تم الاتفاق عليه؟ وهذا السؤال نترك اجابته للزمن.
إلا ان السؤال الذي نستطيع الإجابة عليه ماذا أخذت الشئون القانونية من ملاحظات؟ ولماذا تركت ما تركته؟ وماذا اخذت وماذا أغفلت... أي ما المسكوت عنه؟!
وضعت اللجنة 49 ملاحظة على القانون تتراوح ما بين الملاحظات من حيث الشكل وما بين مضمون المواد، وقد أخذت (الشئون القانونية) بحوالي ثلاث عشرة ملاحظة معظمها تتركز على بعض الصياغات الشكلية وبالتالي أهملت حوالي 38 ملاحظة من حيث الجوهر... وبالذات في جوانب المسئولية الجنائية... إلا أن اللجنة رأت أن المواد في القانون الجديد لم تطور ايجابياته الموجودة... بل إن المقارنة تبين ان هناك فروقا في المواد بين القانون الجديد والقانون المنقح.
من أهم الملاحظات التي رفعتها اللجنة عن القانون والتي أشير اليها في اكثر من مادة (رقم 69/70/71/73/74) وهي عبارة «عدم الاخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات او اي قانون آخر» أو عبارة «عدم الإخلال بالمسئولية الجنائية» او «لا ينص من المسئولية الجنائية بشأن ما نص عليه في المواد السابقة».
إن مثل هذا التوجه يؤدي الى منزلق نقل جرائم الرأي والفكر والاعلام الى مواد قانون العقوبات، لذلك كان رأي اللجنة أن قانون النشر هو قانون خاص، وعليه اقترحت أن يكتفى في قضايا النشر بهذا القانون فقط خصوصا وان جرائم النشر عادة ما تعتبر في القوانين من قضايا الجنح... ولا ضرورة لاحالتها الى قانون العقوبات.
ووجدنا ان القانون الجديد على عكس الاقتراحات المقدمة من لجنة تفعيل الميثاق التي يرأسها سمو ولي العهد الأمين واللجنة المتفرعة منها والتي صاغت مبادئ القانون واللجنة المنبثقة عن الجسم الصحافي، بل وجدنا ان القانون الجديد كرس وبالغ في العقوبات المانعة للحرية (الحبس) والتي جعلها في هذا القانون (مطاطة) بل ويحيلها الى قانون العقوبات، مثلا عندما لم يحدد القانون في المادة (46) مربوط المدة والتي تنص على: «يعاقب بالحبس مدة (لا تقل عن ستة أشهر) كل من نشر ما يتضمن التحريض على قلب نظام الحكم أو تغييره».
وتصل مدة هذه العقوبة التي تركها المشرع عائمة مطاطة «لا تقل عن ستة أشهر» ويمكن أن تصل بحسب المادة (148) في قانون العقوبات الى السجن المؤبد (!) وبالتالي تتحول جرائم النشر من جنح صحافة الى الجنايات وهي عادة الجرائم التي يعاقب عليها بالاعدام أو الحبس المؤبد والحبس المؤقت.
«كما أن من المعروف قانونا ألا تزيد الأحكام الصادرة في جرائم الصحافة إذ يعتبرها القانون والفقهاء والقضاء جنح صحافة لا تزيد على ثلاث سنوات حبس بأي حال من الأحوال». بينما نجد أن القانون الجديد وفي المادة (47) يعاقب بالحبس من دون تحديد المادة وهذا معناه بحسب المادة (148) العقوبة بالسجن المؤبد فكيف تكون الجريمة جنحة والعقوبة فيها جناية؟
إن قانون الصحافة هو قانون خاص وكما يقول القانونيون: «تتميز النصوص التشريعية الجنائية بدقة التعبير واستخدام المفردات الصحيحة للدلالة على المعاني المعينة المحددة، وذلك كله حرصا على سلامة تطبيق مبدأ قانونية التجريم وخصوصا في قانون خاص مثل قانون الصحافة... وقاية من مغبة سوء التأويل وافتعال الاتهام».
بينما التعبيرات التي يستخدمها القانون في تجريم الافعال غير واضحة المعالم ولا محددة الاطراف وهي تكاد تتسع لكل شيء والأمثلة كثيرة «كل من نشر أنباء من شأنها التأثير في قيمة العملة الوطنية أو بلبلة الافكار عن الوضع الاقتصادي أو نشر أخبار افلاس تجار أو محلات تجارية».
والأسئلة التي يثيرها المهتمون في مجال حرية الصحافة كثيرة: «من الذي يستطيع أن يحدد عناصر الركن المادي لهذه الجرائم أو يستطيع أن يعين فحوى التحريض أو الخدش أو يحدد طبيعة الفعل الذي يعتبر تحريضا على مخالفة النظام».
ولنقرأ المادة (60) التي تقول: «مع عدم الاخلال بالمسئولية الجنائية بالنسبة إلى كاتب المقال أو المؤلف أو واضع الرسم أو غير ذلك من طرق التعبير يعاقب رئيس التحرير عما ينشر في الصحيفة ولو تعددت أقسامها وكان لكل منها محرر مسئول عن القسم الذي حصل فيه النشر، وتكون الصحيفة مسئولة بالتضامن مع محرريها عن التعويضات المحكوم بها للغير من جراء النشر فيها».
إن هذه المادة تحول رئيس التحرير إلى رقيب غير مدفوع الاجر يتبع اساليب رقابية مسبقة فلا تجعله ينشر اية آراء او اخبار إلا ما يراه من خلال تجربته الساخنة خلف الكواليس وبما يتسق مع سياسة الحكومة بل وربما يتجاوز ذلك إلى منع ما قد يراه قضايا حساسة لمشاعر بعض المسئولين في الدولة وبذلك يتحول من رقيب لصالح الصحيفة والناس والرأي العام إلى رقيب لصالح الحكومة.
بينما نجد المحكمة الدستورية العليا في مصر في جلستها المنعقدة يوم السبت 1 فبراير/ شباط 1997 قضت في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا في حكمها إلى ان ذلك يتعارض مع مبدأ شخصية المسئولية الجنائية التي تفترض ألا يكون الشخص مسئولا عن الجريمة ولا ان تفرض عليه عقوبتها الا باعتباره فاعلا لها او شريكا فيها.
وذهبت المحكمة الدستورية ايضا إلى انه «لا يتصور في صحيفة تتعدد صفحاتها وتتزاحم مقالاتها وتتعدد مقاصدها ان يكون رئيس التحرير محيطا بها جميعا نافذا إلى محتوياتها ممحصا بعين ثاقبة كل جزئياتها ولا ان يزن كل عبارة تضمنتها بافتراض سوء نية كاتبها ولا ان يقيسها وفق ضوابط قانونية قد يدق الامر بشأنها ولا تتحد تطبيقاتها».
وبهذا الحكم يقول القانونيون: الغت المحكمة الدستورية في مصر هذه المادة من قانون الصحافة بعدم جواز تطبيقها واعتبارها لاغية فلا يخضع رئيس التحرير للمسئولية الجنائية الا اذا كان هو كاتب المقال او شريكا في كتابته، وبذلك لا يجب ان يكون رئيس التحرير مسئولا عن آراء الكتاب والمواطنين ولا مشكلاتهم ولا منعهم من الكتابة استنادا إلى مبدأ حرية المواطن في التعبير وابداء الرأي عن طريق الصحافة.
إن حرية الصحافة ليست امتيازا لرؤساء التحرير والصحافيين بل تستمد هذه الحرية جذورها من حرية المواطن ومن حقه ان يتابع ما يجري في المجتمع ومن حقه ان يراقب ممثليه والمسئولين عن سلطة الدول بمواد الدستور ومبادئه ونصوصه والكشف عن اي انحراف في تطبيق القانون
العدد 248 - الأحد 11 مايو 2003م الموافق 09 ربيع الاول 1424هـ