كيف يمكن تصور وضع إيران بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز محمود أحمدي نجاد بغالبية 63 في المئة مقابل 33 في المئة لمنافسه مير حسين موسوي؟
هناك احتمالات كثيرة تتجلى في صور متخالفة. الصورة الأولى لبنانية وتشبه كثيرا ما حصل في بلاد الأرز بعد التمديد القسري والمخالف للدستور الذي فرض على مجلس النواب وأدى إلى تعديل مادة دستورية والتجديد للرئيس إميل لحود نصف ولاية (ثلاث سنوات). ما حصل في لبنان في صيف 2004 أعطى ذريعة للدول الكبرى بالتحرك تحت غطاء الدفاع عن الدستور والقانون والعدالة واستخدام مجلس الأمن الدولي لإصدار القرار 1559.
القرار الدولي شكل كارثة على لبنان وكان أكبر من قدرة البلد الصغير على تحمله وتنفيذ فقراته. وبسبب ضخامة بنود القرار 1559 انكسر البلد وتبعثر إلى مراكز قوى وتفرع إلى معسكرات أهلية تتصارخ وتتشاتم ما أعطى فرصة لنمو ظاهرة العنف والاغتيالات والتفجيرات. إلا أن الجانب الآخر من القرار تمثل في مقاطعة دولية للرئيس لحود وعزله ورفض التعامل معه لأنه رئيس غير شرعي ويقبع في قصر رئاسي بالتزوير وعنوة عن الدستور وإرادة النواب والشعب.
الصورة الثانية أميركية وتشبه كثيرا ما حصل في الولايات المتحدة بعد تجديد ثقة الناخب بالرئيس جورج بوش والاقتراع له لولاية ثانية انطلاقا من تعاطف ايديولوجي مع نزعة متطرفة قام «تيار المحافظين الجدد» بتغذيتها ونشرها في الشارع. الناخب الأميركي انخدع مرة ثانية بجورج بوش ولم يلحظ سلسلة الكوارث التي ألحقها بسمعة الولايات المتحدة وعلاقاتها الدولية وما أنتجته من رعب وكراهية وعزلة. الخطأ الذي حصل في العام 2004 أسوأ بكثير من العام 2000 لأنه تجاهل دروس التجربة وتعامل معها المقترع الأميركي بخفة نظرا لتلك الفضاءات الديموغاجية التي أطلقها «تيار المحافظين الجدد» عن الرئيس (الرجل المختار) الذي يأخذ أوامره وتعليماته من قوى فوقية وإرشادات سحرية. انتخاب الرئيس بوش لولاية ثانية ولّد طاقة سلبية تحولت في السنتين الأخيرتين في عهده إلى نوع من السخرية بالرئيس المكروه عالميا والمغضوب عليه أميركيا. ولم يغادر بوش البيت الأبيض إلا بعد أن انهارت سمعة النموذج الأميركي دوليا بسبب تلك البهدلة التي واجهت سياساته وكشفت مقدار جهالته وضحالته.
الصورة الثالثة غزاوية تشبه كثيرا ما حصل لحركة «حماس» حين وضعت أمام امتحانات سياسية وأسئلة دولية بشأن مواقفها الايديولوجية عن التفاوض والاعتراف والسلام والعنف وغيرها من مواد أولية شكلت في مجموعها نقاط قوة للطرف الآخر وقواعد انطلاق لتبرير الحصار ورفع درجة المقاطعة وصولا إلى شن معركة لتقويض مؤسسات القطاع وتحطيم بناه التحتية تحت غطاء وقف إطلاق الصواريخ وبذريعة حماية المدنيين في المستوطنات الإسرائيلية.
الصور الثلاث اللبنانية والأميركية والغزاوية يمكن الاستفادة من تداعياتها لقراءة محصلة المواقف الدولية والإقليمية والجوارية بشأن الانتخابات الإيرانية. فالمقارنة قد لا تكون متطابقة ولكنها تعطي فكرة عن صورة رابعة يمكن أن تتشكل منها الوضعية الإيرانية بعد التجديد ولاية ثانية للرئيس محمود أحمدي نجاد. ما حصل يرسل إشارات تنبه إلى احتمال تطور الموقف الدولي ضد إيران بالاتجاه نحو المزيد من العزل والتطويق والضغط إذا لم تتدارك القيادة السياسية خطورة الموقف وتتعامل معه بجدية قبل أن تنزلق البلاد نحو هاوية من العنف الداخلي الذي إذا بدأ لن تتوقف آلياته التقويضية.
الخطر على إيران الآن هو «ثقافة الفجور» التي ارتدت إلى الداخل وتأسست عليها مجموعة قناعات ايديولوجية يمكن أن تطيح بالكثير من الإنجازات إذا لم يتم احتواء تداعياتها. فالكلام عن تدخل السلطة وانحيازها لمترشح ضد آخر ليس مجرد إطلاق رصاص في سماء صافية. والكلام عن خيانة وعمالة وسرقة في بلد اعتمد سياسة تداول السلطة يشكل نقطة انعطاف في آليات ثورة نموذجية في خصائصها الذاتية.
«ثقافة الفجور» في إيران يمكن أن تولد آليات عنيفة تقوض الدولة داخليا وتهشم صورة الجمهورية وتزعزع ذاك النموذج الذي كلف مليارات الدولارات وملايين الضحايا. الكلام في إيران أخذ يتطور باتجاه التخوين وإسقاط السير الذاتية لقادة الثورة وبناة الدولة. وهذا الكلام الفاجر بدأ يتمظهر في مقالات تتحدث عن «حرب طبقية» بين فقراء وأغنياء و»حرب جهوية» بين شمال طهران وجنوبها أو بين شمال إيران وجنوبها، و»حرب مناطقية» بين القرى الإيرانية والمدن أو بين سكان الأرياف الفقيرة وسكان أحياء المدن.
هذه الحروب «الطبقية» و»الجهوية» و»الأقوامية» و»المناطقية» التي ساهمت «ثقافة الفجور» في الترويج لها في سياق التنافس على مقعد رئاسي تشكل مجتمعة آليات لتقويض الجمهورية من الداخل وتأليب «الأجنحة» على بعضها بقصد تمزيق صورة النموذج من خلال إظهار أشكال العنف والإفراط في استخدام لغة القوة لتخويف الخصوم وإرهابهم تحت ستار من القصف العشوائي التي تطلقه مدفعية غير واعية لخطورة المسألة في حال انفتحت على مداها الحيوي.
مصلحة إيران الآن تقتضي المسارعة إلى مكافحة «ثقافة الفجور» والذهاب مجددا إلى لغة التخاطب العقلاني والاحترام المتبادل والإقلاع عن سياسة التخوين والتجريح وإلغاء الآخر من خلال تشويه تاريخه الشخصي أو سيرته النضالية. إيران مهددة الآن من الداخل لا الخارج في حال لم تتدارك الأمر وتعود إلى لغة المصارحة والمكاشفة وخطاب التسوية العاقل الذي يأبى الانجرار نحو مجاراة العواطف المشحونة بالأحقاد وما تجلبه من تفرقة تؤدي إلى انقسامات لا تعرف نهاياتها.
الكلام عن رئيس فقراء ضد رئيس أغنياء يولد اجتماعيا ثورة سياسية بركانية تطلق قذائف «طبقية» تزلزل قواعد الدولة وتبعثر صورة الجمهورية وتؤدي إلى تشجيع الجيل الجديد على تحطيم كل ما بناه الجيل المؤسس. «الثورة تأكل أولادها» مسألة مطروحة في إيران في اعتبار أن هناك قوة تعتمد «ثقافة فاجرة» في تعاملها مع الآخر ما يدفع السلطة السياسية إلى عدم احترام الجيل الأول (المؤسس) الذي ساهم في تطويع نموذج أعطى فرصة للجاهل أن يتعلم أو يحكم.
إيران الآن على مفترق طرق وهي مطالبة بالاختيار بين الصورة اللبنانية (لحود) أو الأميركية (بوش) أو الغزاوية (حماس) ولكنها تستطيع أن تتجنب السقوط في هذه النماذج إذا اتخذت القيادة السياسية قرار مكافحة «ثقافة الفجور» والذهاب بسرعة إلى إعادة إنتاج لغة تسووية (تصالحية) تنقذ الجمهورية من الانفجار الأهلي.
العدد 2478 - الجمعة 19 يونيو 2009م الموافق 25 جمادى الآخرة 1430هـ
إيران ستبقى إيران
للأسف صاحب المقال لم يوفق و لن يوفق في كتابته بآراده الشادة و البعيدة عن الموضوعية ما دام يكتب بنفس عدائي للجمهورية الاسلامية ، و للأسف يتكلم باسم الموضوعية ، فهل له القدرة الكلام بنفس الجرأة عن الوضع في البحرين و خصوصا عن ملفات التجنيس و التمييز الطائفي و نواب الموالاة العبيد و غيرها من الملفات الساخنة . فأنا أتحداه أن يكتب في هذه الموضوعات و بنفس الجرأة . هذا الميدان يا حميدان
مواطن مقهور ( أبو سيد حسين )