العدد 2477 - الخميس 18 يونيو 2009م الموافق 24 جمادى الآخرة 1430هـ

لاءات نتنياهو تراهن على حالة الارتباك غير «الإسرائيلية»

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يتردد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في حديثه عن مشروعات السلام الإسرائيلية في الشرق الأوسط، من الذهاب بعيدا إلى حد قوله بأنه على أتم الاستعداد « للذهاب الى دمشق والرياض وبيروت من أجل تحقيق سلام في منطقة الشرق الأوسط». ، مشيرا إلى أنه «يشارك الرئيس الأميركي باراك أوباما آماله بتحقيق السلام». وأوضح نتنياهو أن «إسرائيل ستكون جاهزة للسلام ولقيام دولة فلسطينية بعد الحصول على ضمانات تفي بالشروط الإسرائيلية حيال نزع السلاح الفلسطيني واعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كأمة للشعب اليهودي».

استنتاجات كثيرة مختلفة، وربما متضاربة، يمكن الخروج بها عند قراءة ذلك الخطاب الذي ألقاه نتنياهو، يوم الأحد الموافق 15 يونيو/حزيران 2009 . لابد من الاعتراف بأن مشروع نتنياهو، يتضمن رؤية إسرائيلية مستقبلية متكاملة، تحاول أن تستبق الأحداث، وتضع الجميع أمام مشروع إسرائيلي، عليهم دون أي استثناء، كما تريد «إسرائيل»، أن ينطلقوا من فوق أرضيتها في أية مداولات قائمة بِشأن مستقبل المنطقة.

يتمحور الخطاب حول مجموعة من اللاءات الإسرائيلية التي سلطت أضواء كثيرة عليها. خطورة «لاءات نتنياهو»، أنها تبدأ من سلب حق الفلسطينيين في العودة، وترفض أن تقف عند منحهم دولة مجردة من أية مقومات تمكنها البقاء والاستمرار. لكن الأهم من ذلك هو ما هي الورقة التي يعتقد نتنياهو أنها «الرابحة» في معادلة ساحة الصراع في الشرق الأوسط، والتي تمد لاءاته بدينامية الانتشار ونيل الموافقة، الطوعية أو الإجبارية، من الأطراف المختلفة؟

كما يبدو، فإن نتنياهو يركن على ما يمكن أن نصفه بحالة «الارتباك» السائدة في صفوف كل الأوساط الضالعة في هذا الصراع المعقد، سواء كان ذلك بشكل مباشر، كما هو الحال بالنسبة لفلسطين، وسورية ولبنان، أو لهم تواجد مباشر على خارطته، مثل إيران والسعودية، أو لايملكون إلا أن يكونوا طرفا فيه، مثل العديد من العواصم الغربية وفي مقدمتها واشنطن.

ويمكنننا أن نبدأ بالارتباك في صفوف الجبهة الفلسطينية، التي حتى الآن، ورغم كل ما تحملته من ضرائب باهضة جراء الصراعات التي اندلعت، ولم تتوقف بعد، بين أهم قوتين مناهضتين لـ «إسرائيل»، وهما «السلطة» و»حماس». هذا الإرتباك يتجه داخليا كي يحدث شرخا عميقا في العلاقات الفلسطنية – الفلسطينية، فيستنزف قواها في معارك داخلية مرهقة وغير مبررة بكل المقاييس، وتمنعها، في آن، من القيام بأدنى المهمات المناطة بها، وينطلق خارجيا كي يربك مواقف القوى المناصرة للقضية الفلسطينية.

من فلسطين ننطلق نحو الجبهة المشتعلة المتاخمة لــ «إسرائيل» كي نجد حزب الله ومعه سورية مرتبكين من نتائج الانتخابات اللبنانية التي جاءت مخالفة بعض الشيء لحساباتهما المشتركة، ولحسابات كل واحد منهما على حدة. ويتجاوز الارتباك السوري، ذلك الذي يعاني منه حزب الله، حينما نأخذ في الحسبان الغزل الأميركي، مع إيران، الحليف الإستراتيجي الإقليمي مع سورية، وخشية هذه الأخيرة من أي يؤدي ذلك الغزل إلى خلخلة ذلك التحالف، ومن ثم إرباك الموقف السوري.

ومن القطري، ننتقل إلى الإقليمي، حيث نصل إلى الكتلة العربية، كي نكتشف كل معالم الإرباك التي تسود العلاقات العربية- العربية، فيما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي، وأكبر شاهد على ذلك هو تعثر «المبادرة العربية» إلى درجة وصولها إلى ما يشبه حالة الجمود الناجمة من حالة الإرباك التي تسود العلاقات العربية الداخلية، والتي عبرت عنها كثيرا، وبشكل ساطع، مؤتمرات القمة الأخيرة التي شهدتها المنطقة والصراعات التي احتدمت قبلها وأثناء جلساتها، وبعد انفضاضها.

ومن المنطقة العربية يحط المتابع لتطورات الأوضاع في الشرق الأوسط الرحال في طهران، ولايحتاج المرء الكثير من الفهم أو الحذاقة كي يتلمس مدى الارتباك الذي تعاني منه السلطة الإيرانية اليوم، وخاصة في ضوء الانتخابات الأخيرة، التي لا تزال نتائج ذيولها لم تحل بعد، عندما يتعلق الأمر بالصراع العربي – الإسرائيلي، خاصة عندما نأخذ في الحسبان التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية لإيران تحت مبرر ضرب المفاعل النووي الإيراني. يضاف إلى ذلك محاولات التقرب التي تبذلها العواصم الغربية من أجل سلخ طهران من أي تحالف شرق أوسطي، يمكن أن يعكر صفو أية مشروعات تسوية قادمة.

ولايختلف الأمر عندما نبتعد عن « الارتباك المباشر» ونصل عند ذلك «غير المباشر»، وعلى وجه التحديد في واشنطن. وأكبر تعبير عن ذلك الارتباك هو ذلك الهجوم الكاسح الذي كشفت عنه الإدارة الأميركية الجديدة إبان زيارة نتنياهو االأخيرة لواشنطن، وما تبعها من تصريحات جريئة أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه الشهير الذي أطلقه من جامعة القاهرة خلال زيارته الأخيرة لمصر، لصالح الطرف العربي، ثم لم يلبث أن تراجع عنها في ردود فعله على خطاب نتنياهو الأخير.

مقابل هذه الارتباكات يبدو أن نتنياهو يراهن على تماسك جبهته الداخلية، فيما يتعلق بخطط السلام الإسرائيلية. هذا التماسك الصهيوني المحصور في نطاق خطط السلام يمكن تلمسه في استطلاع للرأي قامت به صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية اليومية بعد أن ألقى نتنياهو خطابه، الذي جاء وفقا لنتائج ذلك الاستفتاء لصالح توجهات نتنياهو، حيث قال «71 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أنهم يؤيدون موافقة نتنياهو على إقامة دولة فلسطينية وقالوا إن ذلك سيؤدي إلى تخفيف الضغط الدولي على إسرائيل».

هل ينجح نتنياهو في مشروعه المعتمد أساسا على ورقة الارتباك في الصفوف «غير الإسرائيلية»، أم ينقلب السحر على الساحر، ويفاجأ، هو قبل غيره، بارتباك داخلي «إسرائيلي، يتجاوز كل الارتباكات التي تسود أطراف الصراع الأخرى، والتي يراهن عليها نتنياهو؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2477 - الخميس 18 يونيو 2009م الموافق 24 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً