العدد 2474 - الأحد 14 يونيو 2009م الموافق 20 جمادى الآخرة 1430هـ

الانتخابات بين لبنان وإيران

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خلال أسبوعٍ واحد... جدّد الإيرانيون لـ «المحافظين»، وجدّد اللبنانيون لـ «الموالاة». وفي الحالتين ظلّ العالم الخارجي يترقب النتيجة التي لم تُعرف إلا بعد إعلان الفرز النهائي.

في لبنان كانت التوقعات تشير إلى أن المعارضة سوف تكتسح البرلمان، وتحقّق فوزا بفارق خمسة مقاعد على الأقل، إلا أن النتيجة جاءت مغايرة لأكثر التوقعات. أما في إيران فكانت أغلب التوقعات ترجّح اكتساح الاصلاحيين، وهو ما رفع التوقعات لدى الجماعات الراغبة بالتغيير في الداخل، حتى رفعت شعارات من قبيل: «نجاد راح»، أو «باي باي نجاد»، أو «هذه أيامك الأخيرة يا نجاد».

التحليل السياسي الرزين لا يحتمل مثل هذه الشعارات والمواقف العاطفية، وعامل الحب والكره، لكي ندرك أبعاد الحدث الإيراني الذي يؤثر فينا أكثر مما نؤثر فيه. فالمرشحون الأربعة كلهم من أبناء الثورة الاسلامية، أصغرهم نجاد كان عمره يوم انتصارها 22 عاما، وأكبرهم مير موسوي كان عمره 33 عاما حينذاك، وليس من بينهم من هو مستعدٌ للتفريط في ثوابتها. ومن أسهل الأمور إعطاء تفسير سطحي للحدث بانحياز القرويين لنجاد وأهل المدن لموسوي. فالشعوب لا تحدّد مساراتها المستقبلية بهذه الصورة المبسطة، بل هناك تصويت على «خيارات» كبرى، تماما كما جرى في لبنان... فلماذا نتفهم ذلك في لبنان ولا نتقبله في إيران؟

عندما ذهب 39 مليون إيراني إلى صناديق الاقتراع، لم يكونوا يصوّتون على لبس أو نزع الحجاب، أو السماح بقيادة المرأة للسيارة... وإنما لتحديد مسار بلادهم السياسي والاقتصادي للفترة المقبلة. فهم كانوا يفاضلون بين تجربة 4 سنوات لنجاد «المحافظ»، وتجربة 16 عاما في ظلّ «الإصلاحيَيْن» رفسنجاني وخاتمي. والكثير من وسائل الإعلام كتبت عن الحيلة الانتخابية بتقديم مرشحَيْن لتشتيت الأصوات وإضعاف مركز نجاد، لضمان جولة ثانية للإطاحة به، لكن مفاجأة فوزه في الجولة الأولى أطاح بهذه التمنيات.

لست معنيا كثيرا ولا متحمّسا جدا لنجاد، ولا معاديا ولا كارها لموسوي، فما يهمنا كخليجيين أن تستقر هذه المنطقة المضطربة وتنعم بالسلام. والقراءة الخاطئة للحدث الإيراني الأخير إنما يزيد من تضليلنا كرأي عام أو كصنّاع قرار. فالشعب الإيراني اختار رئيسه بملء إرادته، وعلينا أن نحترم خياره بعيدا عن التهويل وتضليل الذات.

في عصر الإعلام وطغيان «الصورة»، نجح نجاد في تقديم نفسه في صورة الرئيس المتواضع البسيط، وهو أمرٌ يستهوي القلوب في الشرق، ولو تقدّم مرشحٌ مثله في أي بلد عربي مقابل الرؤساء الحاليين لصوتت له الجماهير. إلا أن الإيرانيين لم يكونوا منوّمين مغناطيسيا يوم التصويت، فكانوا مخيّرين بين حاضر نجاد وماضي رفسنجاني. وإذا كانت الطبقات الفقيرة تتأثر بـ «ثقافة الصورة»، فإن الطبقات الوسطى والفئات المتعلمة تصوّت للخيار الفكري والسياسي.

عندما جاء نجاد إلى الحكم كانت إيران - وحليفتها سورية أيضا - تخضعان منذ ثلاث سنوات لتهديدٍ مستمرٍ باستخدام القوة من قبل الإدارة الأميركية التي نصبت خيمتها العسكرية بينهما في العراق. وعندما رحل بوش كان موقف البلدين التفاوضي أقوى وأفضل، وقبل ذلك بعامين أوصى تقرير «بيكر هاملتون» بإشراكهما في حلّ مشاكل المنطقة اعترافا بدورهما. فالجانب السياسي كان حاضرا بقوة في التصويت لنجاد، الذي ينظر إليه كثير من الإيرانيين على أنه رفع اسم بلدهم عاليا وعزّز ثقلها الدولي وحفظ كرامتها بين الأمم... وهو أمرٌ مهمٌ جدا عند شعبٍ معتدٍ بنفسه.

القراءة الموضوعية تقول إن ذلك لم يكن بالضرورة نجاحا لسياسة نجاد، بل كان في جزءٍ منه نتيجة تهوّر إدارة بوش، التي أسقطت نظامين لدودين لإيران وأزاحت عبئهما عن اليمين والشمال. ولم يكن بوش حين قرّر غزو أفغانستان والعراق يحسب أنه كان يخدم رئيس بلدية طهران المغمور آنذاك حين اتخذ القرار... ليؤثر على الإيرانيين وهم يلقون بأوراقهم في صناديق الاقتراع بعد ست سنوات!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2474 - الأحد 14 يونيو 2009م الموافق 20 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً