العدد 2473 - السبت 13 يونيو 2009م الموافق 19 جمادى الآخرة 1430هـ

نجاد... مرة أخرى؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جدّد الشعب الإيراني الثقة برئيسه أحمدي نجاد في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بعدما توقع البعض عقد جولة ثانية.

نجاد حصل على ثلثي الأصوات تقريبا (62 في المئة)، بينما توزّع الثلث الأخير على منافسيه الثلاثة، وحصل أقرب منافسيه (مير موسوي) على 33 في المئة، ونزل بعض مناصريه للشارع احتجاجا على النتيجة، بينما أمر مرشد الجمهورية السيد الخامنئي المتنافسين بضبط أعصاب مناصريهم... فيما حثّهم الحرس الثوري على التفرق لأن «وقت الرقص انتهى».

المرشح رضائي الذي حصل على 1.74 في المئة، كان حكيما فلم يصدر عنه أي تصريح، أما رجل الدين كروبي الذي لم يحصل حتى على 1 في المئة، فاعتبر الانتخابات غير شرعية! أما موسوي فقال إنه لن يستسلم لـ «هذه المهزلة الكبيرة التي ستؤسس للاستبداد». ولو كان الفارق بسيطا لأمكن التشكيك بوجود تزوير أو تلاعب بالأصوات، أما والفارق عشرة ملايين فقد حسمت الصناديق القول.

الإعلام الخارجي كان له دورٌ كبيرٌ في رفع سقف التوقعات بفوز موسوي، ليس حبا فيه وإنما كرها لغريمه (نجاد) الذي اعتاد على مهاجمة «إسرائيل»، وتبنّى سياسة مواجهةٍ مع الولايات المتحدة، الجارة الجديدة لبلاده من الشرق والغرب.

سياسات نجاد الخارجية واجهت الكثير من الانتقادات، ويتمنى الكثيرون لو يُعاد رسمها بما يتوافق مع التغيرات الدولية، وفي مقدمتها رحيل إدارة بوش المتطرفة ومجيء أوباما. التغيير مطلوبٌ ليس من أجل إيران فحسب بل من أجل استقرار المنطقة والعالم، ونزع الذرائع من يد الكيان العدواني الإسرائيلي الذي استفاد من نفي «المحرقة» في استدرار المزيد من مساعدات ودموع التماسيح في الغرب.

إذا استثنينا الإنجازات في المجال العسكري والعلمي، فإن سياسات نجاد الداخلية لم تكن كلها نجاحات، خصوصا في المجال الاقتصادي الذي لم يحقق فيه الكثير مما يمكن أن يفخر به. ومن يزور إيران بين فترةٍ وأخرى يلمس وطأة الغلاء، التي تضغط على كاهل أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة.

في التحليلات التي قرأناها خلال الأسابيع الأخيرة، كانت هناك أقوالٌ مرسلةٌ كالمسلّمات، من بينها أن الطبقات الوسطى ستصوّت ضد نجاد، والفقيرة لصالحه، وفارق الأصوات يدحض هذه المقولة من الأساس. فالـ39 مليون إيراني الذين ذهبوا من مختلف الطبقات للتصويت يوم الجمعة، إنّما كانوا يصوّتون لخيار بلادهم المستقبلي لأربع سنوات قادمة.

ربما يقف الغرب اليوم مستغربا من تجديد الإيرانيين لنجاد، ولكن القراءة الموضوعية من الداخل لا ترى فيما حدث مدعاة للاستغراب. فالذاكرة الإيرانية تختزن خمسة آلاف عام من الاستبداد والحكم الفردي المتسلّط. فالامبراطور القديم حين يحكم بالإعدام على أحدٍ، يفترض أن يتلقى هو وأهله الخبر بإظهار السعادة دون اعتراض. والامبراطور الأخير كان يفرض على أهالي معارضيه السياسيين دفع ثمن الرصاصة التي تستخدم في تنفيذ الإعدام.

هذا التاريخ الطويل من الحكم الاستبدادي، طوال مختلف العهود، يفسّر جزئيا هذا التصويت الكاسح لنجاد، ابن الحدّاد القادم من بين جموع الشعب، ليرفع شعار: «خدمة الناس شرفٌ لنا». فـ»الامبراطور» الأخير حين غادر إيران للمرة الأخيرة قبل ثلاثين عاما، جثا كبار جنرالات جيشه على ركبهم لتقبيل حذائه، بينما يحرص الرئيس الأخير على أن يراه العالم وهو يقبّل رؤوس النساء العجائز وأيدي العمال الفقراء.

الإيرانيون صوّتوا لنجاد لأنهم لأول مرةٍ في تاريخهم يعثرون على رئيس متواضع كأنهم لا يريدون التفريط فيه، إن لم ينجح بانتشالهم من مشاكلهم الاقتصادية الصعبة، إلا أنه يعيش مثلهم، يلبس البدلة الخاكي، ويأكل «السبزي» و»الآش». ويذهب لمكتبه الرئاسي متأبطا كيسا فيه سندويشات بالجبنة أعدتها له زوجته لئلا يصاب بالغرور (لا غيّر الله عليه)، ويركب سيارة بيجو قديمة من طراز 77 ويرفض أبّهة التشريفات. وفي أول حكمه أعلن للإيرانيين أنه يمتلك حسابين بالبنك، أحدهما رصيده صفر، والآخر يتلقى عليه راتبه الشهري من الجامعة وقدره 250 دولارا (نحو 100 دينار)... هل عرفتم لماذا جدّد الإيرانيون لنجاد؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2473 - السبت 13 يونيو 2009م الموافق 19 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً