العدد 2469 - الثلثاء 09 يونيو 2009م الموافق 15 جمادى الآخرة 1430هـ

تحويل القضايا الشخصية إلى صراع مع السلطة

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

«البحرين تتسع للجميع»... هذه المقولة التي دائما ما أرددها كثيرا واقتبستها من رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري في أحد لقاءاتي معه، ولهذا أوجه هذه المقولة للقارئ والجمعيات غير المسجلة.

قد يكون من حق المواطن أن ينتقد بعض أعمال المعارضة وبعض ما تقوم به من التجاوزات التي تتنافى مع السلطات والصلاحيات الدستورية والقانونية المخولة لها، ولكن في نطاق عدم الإضرار بالمصلحة الوطنية العليا للوطن والمواطن، حيث غاية المواطن من المعارضة التنافس على خدمة الشعب ممثلا بهيئته الناخبة والاحتكام لما فيه ترسيخ قيم المواطنة المتساوية، باعتبارها الثابت الدستوري والقانوني للحرية والديمقراطية والعدالة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولكن يبدو أن الفكر الإيديولوجي لدى الجمعيات غير المسجلة المستنسخ فكرها من فكر تصادمي، قد ترسخ في عقل بعض الطبقات السياسية والإعلامية، ففقدت معه المنطق، كما فقدت الذاكرة، وبالتالي أصبح قاموسها خاصا، انعكست فيه جميع معاني الكلمات...

ولدينا من نماذج المواقف والتحاليل، ما يستحق أن نجمعه في موسوعة، تعلم مستقبلا في الجامعات، كدراسات تطبيقية، عن مراحل الانحطاط العلمي والعمل السياسي في تاريخ الشعوب. وربما كان اللجوء للخارج وما تبعها ومازال يتبعها، إذا ما استعرضنا أسماء الذين قاموا بهذه الحملة وهم قلة. ولكي لا نظلم أحدا، قد يكون من حق المعارضة، كما هو من حق الحكومة، تبادل وتنويع أساليب الضغط في نطاق القانون، وفي نطاق الاحترام المتبادل للمواطنة المتساوية المجسدة للهوية وقد يكون من حق المعارضة أن تمارس النقد بدافع الحرص على البناء لكل ما تعتقد أن الحكومة عجزت عن تحقيقه من المنجزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لأن مهمة المعارضة هي السعي المستمر لتتبع أخطاء الحكومة والمبالغة بتجسيم سلبياتها من منطلق الحرص على التخفيف من معاناة الشعب والانتصار لحياته وحريته وكافة حقوقه المادية والمعنوية، وحسن استخدام الحق الذي لا يتناقض مع الواجب، ولكن ليس على حساب تشويه صورة الوطن والتسابق على قلب الحقائق والتدليس كما حصل في عدة قضايا، ومنها قضية الناشط السياسي لإحدى الجمعيات غير المسجلة، وعلى ضوء هذه القضية أصدرت هيومان رايتس ووتش، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وفرونت لاين، بيانا صحافيا منددة مطالبة بالتحقيق في الحادث، وفي نفس الوقت تحمل الحكومة المسئولية، واعتبرت بعض بيانات القضية نموذجا مصغرا لنهج حكومي يواصل قمعه لحقوق الإنسان والمدافعين عنه، ولكن عندما استطاعت وزارة الداخلية الكشف والإعلان عن الحقيقة التي لا تعدو (قضية تتعلق بالشرف) وملخصها قيام أخوين بملاحقة أختهما التي كانت برفقة المعني بهذه القضية، وقد أخذاه إلى مكان معزول واعتديا عليه بالضرب المبرح، كما نالت أختهما هي الأخرى نصيبها من الاعتداء.

وهنا نسأل لماذا تسييس القضايا الشخصية علاوة على انها تتعلق بالأخلاق؟، ولماذا لا يتم تأمين الحد الأدنى من الثقة بين العاملين في مجال حقوق الإنسان من جهة وبين الأجهزة الحكومية من جهة أخرى؟، ولماذا التسرع وإطلاق الأحكام، وخاصة أن هذه ليست الحادثة الأولى، فقد سبقتها حادثة واحدة على الأقل، خرج صاحبها كبطل في مجال حقوق الإنسان في حين أن قضيته تشبه هذه القضية إلى حد التطابق، فالقضية الشخصية يحولها صاحبها الى قضية سياسية وحقوقية، لينجو بفعلته غير الأخلاقية القبيحة، فيما تتلقف بعض الجهات تلك المزاعم وكأنها حقائق يجري استخدامها في الصراع مع السلطة.

هنا يجب أن نقرّ بأن من حق المواطن أن يدافع عن وطنه وعن ما يرى أنه يندرج في نطاق الصلاحيات والسلطات الدستورية والقانونية المخولة له خلال الفترة الفاصلة، والدفاع عن قرارات العفو والمبادرات الصادرة من جلالة الملك للم الشمل وتجاوز ما هو معوق نحو الخطى الديمقراطية التي يرتضيها الجميع. كما من حقنا كمواطنين كشف هذا الزيف والتدليس وإظهار سلبيات هذه الجمعيات وتجسيمها لأخطائها بدافع الحرص على استمرار ثقة الهيئة الناخبة.

لقد دأب من يقوم بتحويل القضايا الشخصية إلى صراع مع السلطة وتسليط الضوء على مطالب سياسية، بات أمرا لا يخفى على أحد، وليعلم القائمون على هذه الجمعيات (غير المسجلة) الآن وبعد العفو الملكي، ومشاركة جمعية «الوفاق» الفاعلة مدعومة بقيادات دينية عليا، وشخصيات اجتماعية وسياسية، يمكن القول: إنه تم تجسير الهوة بشكل جيد، أو على الأقل البدء بعملية التجسير وفق معطيات صحيحة. فهناك عنف وشغب وقتلى، وهناك أدلة ملموسة لعموم المواطنين يبين أن هناك رابطا واضحا بين بعض الموقوفين آنذاك وما جرى، إلا أن العفو جاء انتصارا للوطن والمواطنين وخطوة حاسمة لإبعاد التوتر بأقل الأثمان، ومن أجل إعادة اللحمة بين جميع أطياف المجتمع فلا فائز ولا خاسر. والعفو جاء لمنح كل الأطراف وفي مقدمتهم نحن المواطنين العاديين فرصة استعادة الثقة والأمل بتواصل العملية السياسية وتعاون أطرافها في تطوير البلاد وتشريعاتها وتعزيز حقوق مواطنيها.

والسؤال لماذا تقوم بعض القوى السياسية المنوط بها التشريع والمراقبة، التبرير لمن يسيئ للوطن في الخارج ويؤزم في الداخل حتى ولو كان على حساب الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة؟

أقول ذلك وأقصد به أن المفترض المواطنة المتساوية هي القاسم المشترك لمن هم في الحكم ومن هم في المعارضة، والشيء الوحيد الدائم هو المواطنة وما يقدمه المعارض أو الجمعية السياسية لهذه المواطنة فهل تعي الجمعيات السياسية (غير المسجلة) ذلك والتي جلّ همّ القائمين عليها التأزيم بالداخل وتشويه صورة البحرين في الخارج، هذا بجانب خروجها على المعارضة الموجودة في الداخل والتي أصبح توجهها على المحك مما تقوم به هذه الجمعيات بجمع العرائض وغيره من تحركات، لتحدد بوصلتها السياسية أن تكون داخلية أو اللجوء إلى المنظمات الخارجية كما تفعل بعض القوى التي تتلقف تلك القضايا الشخصية وتحولها إلى صراع مع السلطة.

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2469 - الثلثاء 09 يونيو 2009م الموافق 15 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً