(1) أمام هالة الشبكة العنكبوتية الضخمة، التي تحتكر جزءا كبيرا من حياتنا، وتجعلنا أسرى كمها المتلاحق من المعلومات والأحداث والدراسات وغير ذلك، أحببت أن أركز على جانب مهم أتاحته الشبكة لنا وهو القدرة على التفاعل والتعليق وإبداء الرأي، مع أو ضد كل شيء.
الرأي الأول: أن التعليقات على مختلف مواقع النت هي تعليقات داخلية، يقوم بها أبناء المجتمع، يعبرون فيها عن آرائهم، وقد يستخدمون أسماء مستعارة خوفا على سلامتهم الأمنية، أو أوضاعهم الاجتماعية، أو لمجرد الرغبة في أن لا ينكشفوا.
ونحن بدورنا نتفاعل مع التعليقات لأن المهم هو المعرفة والحكمة والفهم، وقد قيل (خذ الحكمة ولو من أفواه المجانين) فما علينا سوى فقط أن نقرأ التعليقات ونستنتج منها موقفا موافقا للمكتوب أو مخالفا ثم نبني عليه قناعاتنا.
إن التشكيك في التعليقات سيسد الاذن عن تموجات الساحة، وسيختفي الرأي العام عن الكاتب أو صاحب المبادرة والحدث، وفي ذلك تجاهل للناس وخسارة كبيرة تفقدنا جمع عقول الناس إلى عقولنا.
الرأي الثاني: إن التعليقات على مواقع النت ليست كلها داخلية الصنع، وليست كلها نتاج طبيعي لحراك الساحة العامة، بل بعضها مفتعلة، وبعضها دخيلة، وبعضها مصنوعة، وبعضها ملغومة، وبعضها موجهة، وبعضها ماكرة، ويجمع الجميع أنها من خارج السياق.
لن أختبئ بين الرأيين بل سأتبنى الرأي الثاني، ولي في ذلك بوارق تصور قابل للنقد والتوجيه مع جزيل الشكر لمن يعيدني إلى حسن الظن المطلق.
(2)لا شك أن مواقع النت تساعد في صناعة الرأي العام، وكثرة التعليقات باتجاه ما توحي بهيمنته، أو على أقل التقادير تعززه في النفوس، فإذا كان هذا مورد اتفاق فمن البساطة أن نعتقد أننا متروكون لنصنع أجواءنا العامة دون أن يتدخل أحد، إلا إذا قبلنا بقاعدة (حسن الظن المطلق)، صحيح أن أرضية كل المجتمعات لا تخلو من التنافس والتنافر والصراع أحيانا، لكن الأكثر صحة أن هناك وفي كل المجتمعات تتمحض جهات لتغذية هذه الصراعات وتفجيرها، ومن ثم الاستفادة من الشروخ التي تنشأ جراءها.
(3) تأمل الصورة وسترى مثلا أن مواقع النت (في أية منطقة كانت) تعمل بالطريقة التالية، الموقع الذي يشم منه أنه محسوب على توجه (أ) تكثر التعليقات القادحة فيه على الرموز والأسماء التي ليس لها اصطفاف مع نفس التوجه، وبطريقة لا تتصور أنها تصدر من أبناء مجتمعنا ضد بعضهم، والعكس صحيح أيضا، فما أن يصل مقال للموقع الذي يشم منه أنه محسوب على التوجه (ب) من أحد المحسوبين على توجه(أ) حتى ترى القدح والذم والتشتير على قدم وساق.
هل تعتقد أن الأمر بالمصادفة؟ نعم فربما يكون لكل موقع قراؤه، وجهاته القائمة عليه، ولكن علينا أن لا نغفل الآخر بيننا، والجهات التي يفيدها أن تؤكد البعد في أوساطنا، إننا أيها الإخوة في عراء إلكتروني، ولسنا في محمية معقمة ومحكمة.
(4) تأمل التعليقات التي همها الشخص، والتي يتضح منها أنها لم تقرأ الموضوع الذي كتبه، ولا التفتت إلى معانيه، أو لم تستوعب ما قام به، ولم تتأمل فائدته، إنها بكل وضوح تعليقات سهامها تتجه نحو الشخص بما يمثل من توجه أو ثقل، إن الكثير من التعليقات ربما تؤثر أثرا سلبيا في الداخل الاجتماعي، ولست أظن أن هذا النوع من التأثير يزهد فيه المناوئون لألفة المجتمع وانسجامه.
لن يترك أي مجتمع بمنابره التوجيهية، ففي التجربة العراقية جند البعث في العصب التوجيهي الأول (الحوزة) آلاف المعممين، وسلم ألف معمم منهم مراكز إسلامية مهمة(يراجع كتاب خفايا وأسرار من سيرة الشهيد محمد باقر الصدر).
ربما لم يكن البعث حينها على رأس السلطة، لكنه لم يغفل مواقع التوجيه المهمة آنذاك، ولكي لا يكون الموضوع ضيقا، سأقول إن لدي اعتقادا أن الكثير من التعليقات الطائفية تتحرك ضمن خطط خارجة عن المصالح الحقيقية لمجتمعاتنا.
من المهم أن نعتقد (في هذه المنطقة أو تلك) أن جهات أخرى من مصلحتها أن تحضر الفتنة في القلوب، ويستمر التباغض والصراع سيدا للموقف، فيزداد التمزق ويضعف الجميع.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2467 - الإثنين 08 يونيو 2009م الموافق 14 جمادى الآخرة 1430هـ