بدعوة مشتركة من جمعيتي «وعد» و «المنبر الديمقراطي» احتضنت قاعة فلسطين بمقر جمعية العمل الديمقراطي، لقاء لفائزتين، بالإضافة إلى النائب الليبرالي عبدالله النيباري، فائزتين من الناجحات الأربع اللواتي وصلن إلى مجلس الأمة الكويتي. وقبل قراءة ما أثاره ذلك اللقاء من أفكار وقضايا في أذهان الحاضرين، وفي مقدمتهم كوكبة النساء البحرينيات اللواتي أغنين النقاش، رغم قصر الفترة المتاحة له، لابد من التوقف عند ظاهرة في غاية الأهمية، ألا وهي مستوى الحضور، حيث اكتظت القاعة بهم من جهة، وتباينت الأعمار من جهة ثانية، ما عكس تواصل الأجيال سياسيا، وهو مسألة تكتسب المزيد من الأهمية عندما تؤخذ في الحسبان حالة الإحباط السياسي التي تمر بها البحرين. هذا الحضور، أكد فيما أكد، قدرة التيار الديمقراطي، حينما يلقي بخلافاته وراء ظهره، ويتطلع نحو الأمام ويرص صفوفه، فبإمكانه أن يشكل كتلة سياسية مهمة لها ثقلها في البلاد وكلمتها المسموعة في مجريات أحداثها. وفي هذه المرحلة حيث تبدو الحاجة أكثر إلحاحا لبروز مثل هذا التيار، فمن الأهمية بمكان أن تدرك قيادتا «وعد» و «المنبر» هذه المسئولية وتتصدى لإنجاز مهامها. أهمية الإشارة إلى ذلك مصدرها دعوة «وعد» و «المنبر» إلى تجميد، أو بالأحرى تقليص خلافاتهما الثانوية كي لا تأتي على حساب أهدافهما الاستراتيجية.
بعد ذلك ننتقل إلى ما جاء في الأمسية من نقاشات، ويمكن للمرء أن يخرج منها بالكثير من الاستنتاجات التي من بين أهمها:
1. إمكانية نسج شكل من أشكال التحالف المحدود زمنيا بين بعض أطراف السلطة والمعارضة، دون أن يسيء ذلك إلى سمعة المعارضة، أو يحولها إلى أحد «عملاء» تلك السلطة. لكنه كي يحصل مثل هذا الوفاق المؤقت، ولتحديد هدف محدد له، لابد أن يكون الطرفان، وليس واحدا منهما فقط، قد شعرا واقتنعا أن هناك حاجة للتحالف، دون الإخلال بالتزامات أي منهما. ومن ينظر إلى السلطة الكويتية، يجد أن هناك تاريخا لمثل هذه العلاقة التحالفية، تجلى أكثر ما تجلى أبان الغزو الصدامي للكويت، حيث تحالف الجميع، دون أي استثناء من أجل تحرير الكويت، ووجدنا المعارضة أكثر اندفاعا من بعض أطراف القوى داخل السلطة من أجل الدفاع عن مهمات ذلك التحالف وصيانة أهدافه. ولاشك أن هناك، في البحرين مثل ما شاهدنا في الكويت، ما يبرر نسج شكل من أشكال التحالف بين المرشحات من النساء البحرينيات للدورة القادمة، مع بعض الأطراف في السلطة، ممن يهمها أن يكون للمرأة البحرينية تواجد في المجلس المقبل.
2. أكلاف الحملة البرلمانية التي كان في وسع الكويتية، ويصعب على البحرينية، تحملها. ودون الدخول في تفاصيل تلك الأكلاف التي ألمحت لها بشكل سريع رولا دشتي، لكن الجميع يدرك الحاجة إلى تغطية تلك الأكلاف. ولربما آن الأوان كي تتضافر جهود المؤسستين، «وعد» و «المنبر»، إن كان يهمهما وصول وجوه نسائية بحرينية، كما جرى في الكويت، إلى البرلمان. وانطلاقا من التجربة النسائية الكويتية، لربما آن الأوان لتأسيس صندوق مالي يكون الهدف من جمع الأموال له، تغطية كلفة المرشحات ممن تحول ظروفهن المالية دون ترشيح أنفسهن.
3. الالتزام السياسي البعيد عن الروح الحزبية العمياء، التي تحصر المرشحة في إطار ضيق، يحرمها من دعم الكثير عناصر الدعم والمؤازرة. ولا يفهم من ذلك التخلص من الالتزام السياسي، بقدر ما هو الدعوة للانفتاح القائم على مروحة واسعة من التحالفات السياسية. وهنا تنظر المرأة البحرينية إلى شقيقتها الكويتية بالكثير من الغبطة، نظرا إلى المرونة السياسية المتوافرة في الساحة الكويتية، مقارنة بالتعصب السياسي ضيق الأفق المسيطر على ساحة العمل السياسي البحريني، والموروث تاريخيا من ترسبات القوى السياسية التقليدية البحرينية ذات التجربة الحزبية الكلاسيكية.
تقرأ «البحرينية» تجربة شقيقتها «الكويتية» بكثير من الحذر والتخوف لأسباب كثيرة تقف في مقدمتها مسألتان في غاية الأهمية:
الأولى، مراوحة السلطة البحرينية في مواقع المتشكك في نوايا ممثلي المعارضة بمن فيهم النساء، وعدم ثقتها في «ولائهم» الذي يريده بعض أطراف السلطة، ولاء مطلقا، يحوّل المرشحة من ممثلة من ممثلي الشعب، إلى بوق منتخب من أبواق تلك الأطراف، الأمر الذي ينسف مقومات التحالف من جذورها، دع عنك رفض المرشحة البحرينية، وهي الناضجة ذات الخبرة الغنية سياسيا، ممارسة ذلك الدور.
الثانية، ضيق أفق القوى السياسية المعارضة الضالعة في العملية الانتخابية، وتخندقها «الإيدلوجي» أو «العقائدي»، الذي يقلص من هوامش التحالفات النسائية في الإطار السياسي الواسع المرن المتمرد على النظرة الحزبية أو الفئوية الضيقة.
هذا يضع المرأة البحرينية، وهي تشارك شقيقتها الكويتية أفراح الانتصارات التي حققتها، والمكاسب التي انتزعتها، تنظر بشيء من التشاؤم مما ينتطرها من الدورة القادمة التي يأمل جيل مستقبل البحرين السياسي المشرق أن تكون نتائجها مخافة لذلك التشاؤم.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2458 - الجمعة 29 مايو 2009م الموافق 04 جمادى الآخرة 1430هـ