العدد 2457 - الخميس 28 مايو 2009م الموافق 03 جمادى الآخرة 1430هـ

محاربة الفساد في العراق

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الخبر الجديد والمثير هذه المرة يأتي من العراق... وهو خبرٌ يستحق مليون دولار!

الخبر يقول: إنه نظرا لتعرّض رئيس الوزراء نوري المالكي لضغوط من الداخل والخارج لمعالجة الفساد المالي والإداري، بدأت «هيئة النزاهة» بتنفيذ أوامر بإلقاء القبض على «مئات» من المسئولين في حكومته.

الفساد هو أحد الأمراض المزمنة التي تواجه دول العالم، وتنخر في نسيجها الاجتماعي، وتقوّض ثرواتها واقتصادها وأخلاقها، وخصوصا في العالم الثالث. والسبب سيادة النظرة السلبية للمال العام الذي يعتبر مشاعا لكل من يريد الاغتراف منه، وفي بعض الأحيان يعتبر وضع اليد على المال العام «شطارة»، وأحيانا «فهلوة»، وأحيانا درجة عالية من الذكاء.

العراق خرج من حقبةٍ دكتاتوريةٍ لها امتدادها القديم في التاريخ؛ ومن ثلاثة عقود من سيطرة النظام البعثي، ومن حصارٍ اقتصادي مرهقٍ دام 13 عاما، كل ذلك ترك أثره على الأخلاق العامة، فتصبح الرشوة إحدى «فنون» التحايل على الحياة، وخصوصا بعدما كان دخل المدرّس الجامعي أقل من ثلاثة دولارات شهريا (أي ما يعادل دينار بحريني واحد).

الاحتلال الأميركي عمد إلى تهديم مؤسسات الدولة العراقية ونشر سياسة الفوضى المتعمدة، ما وفّر للشركات الأجنبية بيئة مثالية للنهب، بموازاة بيئة سياسية حاضنة للفساد داخليا. ولم يكن غريبا أن يعتبر العراق من الدول الأكثر فسادا في العالم، حيث جاء ترتيبه الـ 178 من بين 180 دولة، حسب مؤشر الفساد الذي نشرته المنظمة العالمية للشفافية.

من الصعب أن تلوم الأميركيين على النهب، لأنهم ببساطة جاءوا كقوةٍ استعماريةٍ غازيةٍ لوضع اليد على واحد من أكبر احتياطيات النفط في العالم... إلا أن اللوم كلّه يقع على العراقيين، أفرادا وأحزابا وتحالفات دينية ووطنية وقومية، كلهم يرفعون شعارات تلمع كالثلج، لكنها سريعة الذوبان.

إحدى إشكالات الفكر السياسي في منطقتنا العربية، التباس مفهوم المال العام، الذي يعتبر مالا سائبا، وبالتالي يعلّم على السرقة، والذكيّ من اغترف منه غرفة بيده، أو التقط منه بردائه. فكرة «المال العام» السائب، التي كان لها صدى في الفقه القديم، باعتباره «مجهول المالك»، أسقطها المرجع الديني الشهيد السيد محمد باقر الصدر حين أوضح أنه ليس مجهول المالك وإنما هو مال المسلمين، وبالتالي أغلق الباب على من تسوّل له نفسه حتى من المتدينين، بمدّ يده لتناول ما ليس له.

كان الأولى بالعراقيين أن يكونوا أقل الشعوب تورطا بالفساد المالي، ولكن الحياة تجري بعيدا عن عالم المثل والأفكار والنظريات. وهو ما نزل بالعراق إلى هذه المرتبة من الفساد، الذي تساهم فيه القوى السياسية المختلفة بتستّرها على ما يمارسه أتباعها من أخطاء، ودفاعها عن منتسبيها. بل وصل الحال إلى أن يعقد نواب الشعب العراقي جلسة سرية مغلقة لمناقشة امتيازاتهم، مع أن بعضهم خطباء مفوّهون يحثون الناس على الزهد في الدنيا وأوساخها المادية، ويذكّرونهم بسيرةِ الصحابيين علي وعمر، وعندما انتقدتهم الصحافة العراقية ردّ أحدهم بمقال وصفها بالكلب، في سقطةٍ أخلاقية أخرى تدلّ على فقر الأخلاق المنجلي.

محاربة الفساد في العراق الشقيق بدأت... الطابور طويل، والتركة ثقيلة، نسأل الله في هذا اليوم المبارك، أن يحفظ أموال العراقيين للعراقيين... قولوا آمين رب العالمين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2457 - الخميس 28 مايو 2009م الموافق 03 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً