العدد 2457 - الخميس 28 مايو 2009م الموافق 03 جمادى الآخرة 1430هـ

تداعيات الأزمة المالية العالمية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يحصر الكثير منا، بوعي أو من دون وعي، تأثيرات الأزمة المالية العالمية، في نطاق الأوضاع الاقتصادية، كما يحددها البعض الآخر في إطار أضيق حين يبرز جوانبها المصرفية أو الاستثمارية. ويذهب فرثق آخر إلى ما هو أضيق من كل ذلك، حين يراها من زاوية الأزمة العقارية فقط. لكن استمرار هذه الأزمة لما يربو على العامين، دحض كل تلك المداخل الضيقة، وراح ينظر إلى تداعياتها المتشعبة في كل الميادين، حتى باتت تشمل ميادين أخرى، قد تبدو بعيدة عنها مثل حقوق الإنسان، وتوزيع الثروات على نطاق عالمي، كي تصل في نهاية الأمر إلى الزراعة والغذاء. هذا ما يكشفه الكثير من الدراسات، وتؤكده تصريحات المسئولين ذوي العلاقة، كل في مجال تخصصه.

فعلى مستوى انتهاكات حقوق الإنسان، لا تفاجئونا الأمين العام للمنظمة الحقوقية الدولية أيرين خان حين تقول، معتمدة على الدراسة المعنونة «تقرير 2009: وضع حقوق الإنسان العالمي.» بأن الركود الاقتصادي «أدى إلى انتهاكات في مجال حقوق الإنسان، الأمر الذي أدى إلى خلق مشكلات جديدة... فباسم الأمن، تضررت حقوق الإنسان، وأن مليارات الناس يعانون من انعدام الأمن والعدالة والكرامة، فهذه الأزمة تتعلق بنقص الطعام والوظائف والمياه النظيفة والأراضي والإسكان، كما تتعلق بالحرمان والتمييز العنصري، وتراجع المساواة وتنامي حالات الخوف من الأجانب والعنصرية والعنف والقمع في مختلف أنحاء العالم».

وفي نطاق تزايد أشكال التمييز، من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، نتوقف أيضا عند تحذيرات رئيسة البرلمان النمساوي باربارا برامير، الداعية «إلى ضرورة بذل كل الجهود الممكنة للحيلولة دون التقهقر على مسار المساواة بين الرجل والمرأة جراء الركود الحالي، (رافضة) الدعوة إلى إرجاء قضية المساواة إلى حين يتم التغلب علي الأزمة الاقتصادية الراهنة».

في السياق ذاته يمكننا الإشارة هنا إلى انتعاش الاتجار بالبشر حيث نشر موقع (وكالة انتر بريس سيرفس) تصريحا أدلى به مدير الإعلام والاتصال بمنظمة الهجرة الدولية ومقرها جنيف جان فيليب شوزي، أكد فيه أن «الأزمة الاقتصادية الراهنة قد أتت بتداعيات كبيرة على بلاد منشأ الهجرة، وتتنامي مشكلة الاتجار في البشر، وكلما طالت فترة الركود الاقتصادي، كلما ازادادت الضغوط على الأهالي». وتقدر تقارير الأمم المتحدة ضحايا هذه التجارة في دول أوروبا الشرقية فقط بما يتجاوز «120،000 فردا سنويا». أما مديرة مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ملدوفا لودميلا تيغانو، فتربط بين الأزمة المالية العالمية وازدياد الفقر، الأمر الذي من شأنه خلق المزيد من «أخطار التعرض لعمليات الاتجار في البشر».

ومن الاتجار بالبشر نصل إلى دور الأزمة المالية العالمية في تردي الأوضاع الزراعية، وتشكل الأرجنتين مثالا حيا يثبت هذه العلاقة، حيث سجل محصول الأرجنتين الزراعي، وكما يقول عنه الزراعي ومدير برنامج الصناعات الزراعية بجامعة بوينوس أيريس التابعة للدولة، فرناندو فيلييا «انخفاض حاد تتجاوز نسبته 30 في المئة في المتوسط». وبالطبع، وكما يشدد فيليلا فإن الأزمة ليست العامل الوحيد، لكن تأثيراتها ضاعفت من سلبيات عوامل أخرى مثل «أسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد منذ 100 سنة، والتقليص المتعمد للمساحات المزروعة، وخفض الاستثمارات في تقنيات الإنتاج». وهو ما نقل الأرجنتين من خانة أكبر مصدري القمح إلى أحد المستوردين له.

ولابد هنا من إبراز العلاقة بين الأزمة المالية وازدياد انتشار الفقر وحدته وهو ما تسلط عليه المزيد من الأضواء باربارا برامير حيث نجدها تقول «كلنا نعرف أن أغلبية الفقراء نساء. فالمرأة تمثل ما بين 70 و80 في المئة من فقراء العالم. وكلنا نعرف أنه عندما تتوسع الأزمات فعادة ما يكون الفقراء أول من يعانون من تداعياتها. وهذا هو ما يحدث للنساء».

ومع الفقر، تكشر عن أنيابها آفة الجوع، وهو الأمر الذي يتناوله مدير العلاقات الدولية بالمركز الفرنسي للبحوث الزراعية في خدمة التنمية الدولية جيلس سان - مارتان، حيث يطرح في مقابلة له مع وكالة انتر بريس سيرفس، عدم الجدوى من انعاش القطاع الزراعي، لأن ما ينتجه لن يجد من يشتريه، ويلخص ذلك بقوله، إن المشكلة الحقيقية «تكمن في مدى قدرة أهالي المدن (الإفريقية) على شراء الغذاء. وسيزداد هذا الوضع تفاقما نتيجة لانخفاض حوالات المهاجرين إلى ذويهم في المدن الإفريقية جراء الركود الاقتصادي العالمي».

هكذا إذا نرى انتشار الأزمة وتداعياتها، تمتد جغرافيا من أوروبا الشرقية، مرورا بإفريقيا، قبل أن تلامس شواطئ أميركا الجنوبية، دون أن تستثني أميركا الشمالية، فهي المركز الذي كمنت فيه تلك الأزمة قبل أن تنطلق كي تضرب العالم برمته.

الملفت للنظر هنا أن الجميع قد اعترف بوصولها إلى بلدانه، وسلط الأضواء على المواقع التي تمظهرت فيها، وحذّر من تداعياتها ومخاطر انتشارها، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي، التي، إذا وضعنا جانبا تصريحات خجولة أدلى بها بعض «النشاز» من أصحاب القطاع الخاص، وحفنة صغيرة أخرى من الباحثين والإعلاميين، وفيما عدا ندوات وورش عمل مغلقة ناقشت الأزمة في ما يشبه الغرف الماسونية مسدلة الستائر، تفاجئنا تصريحات المسئولين المتباهية «بصمود الاقتصاد الخليجي»، ومتانة «الوسادة النقدية» التي بحوزة دوله، والتي تتحول رويدا رويدا إلى ما يشبه الطقوس الدينية التي تسبح بحمد هذا الاقتصاد وتفاخر بعناصر قوته.

بوسع من يريد أن يدفن رأسه في الرمال، ويحق لمن يتحاشى رؤية صورة اقتصاده الحقيقية في المرآة الواقعية أن يمعن في غيه، لكن الحقيقة المرة قادمة، وستكشف الأرقام وتداعياتها، كل ما يحاول هؤلاء إخفاؤه أو القفز فوقه. والحديث هنا يتناول الدول والمجتمعات وليس الأفراد من أصحاب الجاه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2457 - الخميس 28 مايو 2009م الموافق 03 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً