العدد 2455 - الثلثاء 26 مايو 2009م الموافق 01 جمادى الآخرة 1430هـ

عمر بن الخطاب يا إدارة الأوقاف السنية والجعفرية!

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يروى أنّه قدم أعرابي في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: من يقرئني شيئا مما أنزل الله على محمد (ص)؟ فأقراه رجل سورة براءة، فقال: إن الله بريء من المشركين ورسوله بالجر، فقال الأعرابي: أوَ قد برئَ الله من رسوله؟ إن يكن تعالى برئ من رسوله فأنا أبرأ منه، فبلغ عمر رضي الله عنه مقالة الأعرابي فدعاه، فقال: يا أعرابي، أتبرأ من رسول الله (ص)؟ فقال يا أمير المؤمنين، إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني؟ فأقرأني هذا سورة براءة، فقال إن الله بريء من المشركين ورسولِهِ، فقلت: أوَ قد برئ الله تعالى مِن رسوله؟ إن يكن الله تعالى برئ من رسوله فأنا أبرأ منه، فقال عمر رضي الله عنه: ليس هكذا يا أعرابي، فقال: كيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: «إن الله بريء من المشركين ورسولُهُ»، فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ ممَّن برئ الله ورسوله منهم، فأمر عمر رضي الله عنه ألاّ يقرئ القرآن إلا عالِم باللغة، وأمر أبا الأسود الدؤلي أن يضع النحو.

وسبب هذه الرواية مع عنوان الموضوع، هو ما وجدناه من بعض الخطباء وأئمة المساجد وشيوخ الدين، الذين قرأوا كتابين في الشريعة والفقه، وأصبحوا يحدّثون الناس، بلا علم منهم ولا معرفة بقنوات اللغة العربية، الأمر الذي يجعلهم موضوع ريبة، في تناول قضايا الدولة بطريقة غير صحيحة.

وللأسف فإن هناك من الخطباء، من يقف فوق المنبر ويحدّث الناس عن الحرام والحلال، ولكن للأسف بدون قاعدة لغوية ثابتة، فتجعل كلامه ركيكا سيّئا، فيتّبعه بعض الجاهلين يهذا البحر الغزير، وينشأ لنا في النهاية ازدواج في أمور الدين والدنيا معا.

ويحضرنا مثال بسيط، عندما تناقش رجل دين متخرّج في جامعة الأزهر، ويعتبر في منطقتنا بأنّه من العالمين بأمور اللغة، مع أحد مشايخنا المشهورين في الخطابة والجلجلة، وسأله عن الفرق بين كلمة فقَه وفقِه وفقُه في الدين، فلاذ الخطيب بالصمت، ولم ينطق بشيء.

فشرح له الأزهري الفرق بين الكلمات الثلاث، ففَقه بفتح القاف تعني سبق غيره من الفقهاء، وفقِه بكسر القاف تعني فهم لكتاب الطهارة حتى باب العتق، أما فقُه بضم القاف فإنها تعني أصبح له شجيّة وملكة.

وهذا المثال دليل على أهميّة تبحّر أهل الدين في اللغة، الأمر الذي سيُرجع الأمور إلى نصابها السليم، ولكن للأسف كلٌّ من أصبح الآن شيخ دين، ومن دون قواعد أو دراسة أو تبحّر في أصول اللغة العربية، التي تغيّر معاني القرآن بمجرّد تغيير حركاته.

فهناك مَن لديه دروس في تفسير القرآن وعلوم الدين، وليس له أدنى صلة ببحور اللغة العربية، فيُعلّم الناس بصورة خاطئة، ويلقّنهم أهم أمورهم الدينية بصورة غير صحيحة.

وقد كان عليا رضي الله عنه أول من وضع علم اللغة العربية، وأسّس قواعده، وحدَّ حدوده، وسبب وضع علي رضي الله عنه لهذا العلم، ما روى أبو الأسود الدؤلي عندما قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فوجدت في يده رقعة، فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: إني تأمّلت كلام العرب فوجدته قد فسُد بمخالطة هذه الحمراء، ويعني بها الأعاجم، فأردت أن أضع شيئا يرجعون إليه، ويعتمدون عليه، ثم ألقى إلي الرقعة وفيها مكتوب، الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى، والفعل ما أنتئ به، والحرف ما أفاد معنى، وقال لي: انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك، واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر ومضمَر واسم لا ظاهر ولا مضمَر، وإنما يتفاضل الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهر ولا مضمر، وأراد بذلك الاسم المبهم.

نتمنى من إدارة الأوقاف السنّية والجعفرية، أن تُعيد أجندتها في اختيار الخطباء والأئمة، وأن تحاول القيام ببعض الاختبارات والامتحانات التقويمية، التي تُخرج في النهاية، جيل من الخطباء الكارزماتيين، القادرين على التحدّث بطلاقة، أمام المصلّين وجمهور الناس المستمعين لهم.

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 2455 - الثلثاء 26 مايو 2009م الموافق 01 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً