يتسم الإسلام في مصر بخصائص رئيسة في مقدمتها المنهج المعتدل والفهم المتوازن لقواعد الإسلام، ووجود مؤسسة دينية ذات عراقة تاريخية وتأثير حضاري في الكثير من الدول الإسلامية، ونظام سياسي يجمع بين النزعة الإسلامية والاتجاه العلماني.
ولقد لعبت مصر دورين متمايزين في علاقاتها مع الولايات المتحدة بالنسبة إلى دور الإسلام في السياسة، أولهما معارضة أي تنظيم سياسي إسلامي يرتبط بالغرب ومهاجمته في مرحلة الخمسينيات والستنييات، مع تحبيذها لبناء إسلامي يقوم على أساس التعاون بين الدول الإسلامية في المجالات الثقافية والعقائدية والسياسية والاقتصادية بعيدا عن الارتباط بالسياسات الدولية الغربية بتوجهاتها الاستعمارية.
وفي المرحلة التالية، وخصوصا في منتصف السبعينيات برز في مصر توجه إسلامي يرتبط بالتحالفات الغربية وينسق مع السعودية وبلغ هذا ذروته في الثمانينيات بغزو السوفييت لأفغانستان عام 1979 ونجاح الثورة الإسلامية في إيران، ومثل هذان الحدثان تحديا دينيا وسياسيا وإستراتيجيا لمصر والسعودية وأيضا للولايات المتحدة.
أفرز التفاعل السلبي بين التوجهين الأول والثاني ما عرف في نهاية الثمانينيات وحتى الآن باسم الظاهرة الأصولية الإسلامية والظاهرة الإرهابية الإسلامية. وعلى رغم استيعاب العالم العربي للظاهرة الأولى على رغم مخاطرها الكامنة، فإن الظاهرة الثانية مثلت تحديا خطيرا ليس فقط للنظم العربية الوثيقة والمعتدلة، وفي مقدمتها مصر ثم السعودية والأردن بل وأيضا للدول الأوروبية والولايات المتحدة التي جعلت حربها ضد ما أصبح يعرف بالإرهاب الإسلامي حربا كونية لا تستطيع أية دولة تحديها بما في ذلك الدول العربية والإسلامية.
وتمخض عن ذلك كله الظاهرة التي عرفت باسم العداء للإسلام أو الإسلاموفوبيا، واستندت فكريا على كتابات بعض المستشرقين الأوروبيين والمستعربين الأميركيين وبعض الحجج التي تدعمها في كتابات الأصوليين الإسلاميين وجماعات الإسلام السياسي والثورة الإيرانية وتصريحاتها وسلوكياتها.
وأدى العداء للإسلام في السياسة الأميركية في عهد جورج دبليو بوش عن توتر العلاقات مع مصر والسعودية خصوصا لتورط عناصر من هاتين الدولتين في عمليات 11 سبتمبر/ أيلول.
من هنا برزت أهمية التغيير في الإدارة الأميركية وفوز باراك أوباما بالرئاسة وتصريحاته سواء في أثناء الحملة الانتخابية أو في خطاب التنصيب في 20 يناير/ كانون الثاني 2009 أو في حديثه التلفزيوني مع قناة العربية، أو في خطاب في البرلمان التركي والتي أكد فيها جميعا على عدة مبادئ وأخص منها:
1 - إن الولايات المتحدة يدها ممدودة للجميع بلا استثناء.
2 - إن الأميركيين ليسوا أعداء للعالم الإسلامي.
3 - إنه ينوي توجيه خطاب خاص للمسلمين من إحدى العواصم الإسلامية.
4 - إنه لا يرى ما يمنع من استعادة بلاده علاقة الاحترام والمشاركة المتبادلة مع العالم الإسلامي والتي كانت تجمع بينهما منذ 20 أو 30 عاما.
وأخيرا قرر الرئيس أوباما بعد بحث متأن ودقيق أن يوجه رسالته للعالم الإسلامي من القاهرة.
ماهي دلالات ذلك؟
الأولى: الاعتراف بمكانة مصر ودورها في العالم وخصوصا في العالم الإسلامي استنادا إلى الأزهر الشريف والتراث المصري العريق في الاعتدال والعمر المصري الدائب من أجل السلام.
الثانية: تغير النظرة الأميركية لمصر التي سادت في عهد الرئيس بوش والمحافظين الجدد وأدت إلى توتر العلاقات بينهما وهي نظرة كانت ظالمة غذتها دوائر معروفة ومعادية لمصر وتوجهاتها نحو الاعتدال والسلام والتنمية ورفضها الإملاءات من أية جهة كانت بما في ذلك الولايات المتحدة.
إن مصر تحرص دائما على دور الصديق وربما الحليف على أساس الندية ولكنها ترفض دائما دور التابع أو عمل شيء يتعارض مع مبادئها وتوجهاتها القومية وأمنها العربي والوطني فهناك فارق دقيق بين التابع الأمين الذي ليس له قوة ذاتية وبين الصديق والحليف الذي يعلن رأيه صراحة ويؤكد مبادئه دائما أيا كانت النتائج.
ما هو المطلوب من مصر القيام به في هذا المرحلة؟
إنه في تقديري على مصر مسئولية كبيرة يجب أن تتحملها وهي قادرة على ذلك بقرار سيادي إداري لصالحها ولصالح أمتها العربية والإسلامية يتمثل هذا الدور في الآتي:
1 - الاستمرار في العمل من أجل وحدة الصف العربي والترفع عن أية مهاترات أو حساسيات بل وضرورة القيام بمبادرات لجمع الشمل العربي.
2 - الاستمرار في العمل من أجل رأب الصدع الفلسطيني والتقريب بين حماس وفتح من منطلق المصلحة الوطنية الفلسطينية ودعوتها للترفع عن المصالح الشخصية أو الفصائلية وإعلام مبادرة متوازنة لتحقيق مثل هذا التقارب لكي تكون أداة ضغط على من لا يعطون المصلحة الوطنية الفلسطينية أولوية حقيقية بعيدا عن الشعارات ودعاوى التشدد الذي أدى إلى تأخير إقامة الدولة الفلسطينية والتراجع خطوات بعد أن كانت آفاق ذلك قد برزت في التسعينيات من القرن الماضي.
3 - استمرار التنسيق المصري السعودي الأردني وإعادة اللحمة للتنسيق مع سورية كما كانت بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى فهذه الدول تمثل قلب العالم العربي وعليها تقع المسئولية حل القضية الفلسطينية بحكم جوارها المباشر ولأنها تحملت نتائج الحروب وبيدها الدفع نحو السلام.
4 - وعلى الساحة الداخلية فإن مصر مطالبة ببناء نموذج سياسي يستحق الإشادة الحقيقية به على أساس من الديمقراطية الحقة واحترام حقوق الإنسان وفتح أبواب المشاركة السياسية لجميع فصائل المجتمع وتوجهاته السياسية التي تقبل بالديمقراطية منهجا والاعتدال سلوكا والشعب كمصدر للسلطة. إن بناء مثل هذا النموذج هو الكفيل يتعزيز دور مصر ومكانتها الدولية وجعلها بحق قبلة للعمل العربي والإسلامي.
5 - تعزيز دور الأزهر المعتدل في الإطار العربي والإسلامي وتنشيط دوره في مواجهة المتشددين ودعاة الانغلاق الديني عن العصر الذين يسعون لتحميل الإسلام إلى محاكم تفتيش في قلوب وعقول وسلوكيات الناس والإسلام الصحيح ليس كذلك.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ