خلال زيارته إلى بريطانيا في الأسبوع الثاني من مايو/ أيار 2009، دشنت الملكة البريطانية اليزابيث، بحضور أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، محطة ساوث هوك على ميناء ميلفورد هيفين بمقاطعة بيمبروكشاير على الساحل الجنوبي الغربي لإقليم ويلز البريطاني. وستتلقى المحطة ما تحتاجه من غاز، من مشروع قطر غاز 2، الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 15.8 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، تبلغ قيمته نحو 13.2 مليار دولار عبر 14 ناقلة ضخمة، من بينها ناقلة الغاز المسال «موزة» - تيمنا باسم الشيخة موزة المسند - التي تبلغ سعتها 266 ألف متر مكعب. وتعتبر الناقلة «موزة» الأكثر سعة بين ناقلات العالم، حيث تزيد سعتها بنسبة 80 في المئة عن سعة الناقلات التقليدية المستخدمة في نقل الغاز الطبيعي المسال. يضاف إلى ذلك اقتصادها في استهلاك الوقود نظرا للتقنية العالية التي تسيرها، حيث يقل استهلاكها للطاقة نحو 40 في المئة مقارنة بنظيراتها التقليدية.
على نحو مواز تواصل فرنسا، كما جاء على لسان وزيرة الاقتصاد والصناعة والعمل كريستين لاغارد، في تصريح نشرته صحيفة «الشرق» القطرية مفاوضاتها مع «الجهات القطرية لإبرام عدد من العقود طويلة الأمد لشراء واستيراد الغاز القطري، وبأن الجهود الحالية منصبة على تعزيز التبادل التجاري بين الجانبين الذي يبلغ نحو 1.3 مليار يورو».
هذه الاتفاقات الاقتصادية المكثفة التي توقعها قطر، والتي تتمحور أساسا حول مصادر الطاقة، ترتكز على إمكانات هائلة من تلك المصادر، وعلى وجه الخصوص الغاز الطبيعي، الذي بحوزة الدوحة. فكما يذكر المحلل الاقتصادي في فضائية (سي. إن. إن) جون دفتريوس، أنه على الرغم من صغر قطر الجغرافي، لكنها «تتربع فوق أكبر حقل غاز في العالم، وتضم أراضيها كميات من هذه المادة تضعها في المركز الثالث من حيث الاحتياطيات العالمية بعد روسيا وإيران، وهي تصدّر حاليا الغاز إلى الإمارات وسلطنة عُمان من خلال مشروع (دولفين)، كما تقوم بإمداد السوق البريطانية بكميات كبيرة من الغاز المسال».
وأكثر من ذلك، ووفقا لتصريحات الخبير النفطي مهدي فارزي، فإن قطر «متقدمة كثيرا على صعيد مشاريع تصدير الغاز، وخاصة مع مشروع (رأس لفان)». الذي يشكل نسبة عالية من إنتاج من إنتاج قطر واحتياطياتها النفطية.
وكما يبدو، تحاول قطر أن تستفيد من تلك الاتفاقات لبناء علاقات سياسية واسعة، تجعل من الدوحة أحدى عواصم دول العالم الثالث المساهمة في رسم خارطة العلاقات الدولية العالمية. ويمكن لمن يتابع حركة قطر الدبلوماسية أن يلمس، أيضا، سعي قطر الدؤوب، منذ ما يزيد على عقد من الزمان، لتجاوز حيز الخانة الصغيرة الضيقة التي تحاول منافساتها من الدول العربية، ومن بينها بعض دول مجلس التعاون الخليجي حصرها فيها.
كانت الخطوة القطرية الأولى على هذا الطريق الطموح الذي ولجته قطر، هو إطلاق قناة «الجزيرة» الفضائية، التي شكلت منذ ولادتها ظاهرة إعلامية وضعت قطر على خريطة الإعلام الدولي، وحققت قطر من وراء إطلاقها الكثير من المكاسب السياسية، ناهيك عن تلك الإعلامية، رغم أكلافها الباهظة.
تلا ذلك استضافة قطر دورة الألعاب الآسيوية في العام 2006، وحفل الافتتاح المتميز الذي ضاهت به الدوحة الكثير من مدن العالم الأخرى، وهو ما شجعها على الترشح لاستضافة الألعاب الأولمبية 2016، لكن الحظ لم يحالفها لنيل ذلك، وعوضت عنه بنجاحها في نيل بن همام القطري عضوية اللجنة التنفيذية لـ «الفيفا».
أما على المستوى السياسي المباشر، هناك قمة الدوحة الأخيرة التي حضرها رؤساء ومسئولون عرب إبان الحرب الإسرائيلية على غزة، وما فجرته من خلافات شملت أكثر من عاصمة عربية، من بينها القاهرة، التي أفصحت عن السبب الرئيسي الكامن وراء معارضتها للمشاركة في قمة الدوحة، والذي هو حسب التصريحات المصرية - محاربة محاولات الدوحة في أن تمارس أدوارا سياسية تفوق حجمها، الذي تحصره الأجهزة المصرية في مقاييس السكان والجغرافيا، متغافلة، بقصد أو من دون قصد، عن الاقتصاد، وعلى وجه الخصوص ذلك المتعلق بالطاقة.
وقبل مؤتمر الدوحة، كان التدخل القطري المباشر، وعلى أعلى المستويات في مشروع الوساطة لرأب صدع الأوضاع السياسية اللبنانية، والتي بغض النظر عن مستوى النجاح الذي حققته الدبلوماسية القطرية على الساحة اللبنانية، لكنه يبقى أحد المؤشرات الواضحة على الطموح السياسي القطري.
ربما كان الطموح السياسي القطري كبيرا في هذه المرحلة، لكنه من جانب آخر يشكل إحدى الظواهر العالمية الجديدة التي تتيح المجال لدول من شاكلة قطر، أن يكون لها حضور قوي في خريطة العلاقات الدولية، نظرا لامتلاكها عنصرا من عناصر القوة، والذي هو في حالة قطر «الغاز الطبيعي». وإذا قدر لهذا الدور أن يكرس هذه الظاهرة، فمن الطبيعي أن تتغير ملامح العلاقات السياسية بين دول المنطقة، وعلى وجه الخصوص داخل منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، ولربما شاهدنا في المستقبل المنظور تحالفات واصطفافات سياسية من نمط جديد مصدرها الطموح القطري في ممارسة دور مختلف.
لا شك أنه من المبكر التكهن بهيكلية تلك العلاقات، ومن الطبيعي أن هناك عوامل إقليمية وعالمية سيكون لها تأثيرها المباشر في ذلك الدور، لكن كل ذلك قد يبقى محدود نسبيا إذا ما أصرت قطر على أن تكون حصتها كبيرة عند تقسيم أية كعكة في المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2441 - الثلثاء 12 مايو 2009م الموافق 17 جمادى الأولى 1430هـ