العدد 2440 - الإثنين 11 مايو 2009م الموافق 16 جمادى الأولى 1430هـ

حقوق المرأة وسلم الأولويات

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وصل بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر إلى تل أبيب، قادما إليها من الأردن، داعيا كلتى العاصمتين للعمل من أجل «إقامة دولة فلسطينية، تتحقق فيها تسوية بين الفلسطينيين و»إسرائيل» تسمح للطرفين بالعيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها دوليا».

من جانب آخر نقلت صحيفة تايمز أوف لندن عن عاهل الأردن الملك عبدالله قوله «إن الولايات المتحدة تروج لخطة سلام بالشرق الأوسط تتضمن حلا يضم 57 دولة يعترف بها العالم الإسلامي كله بـ «إسرائيل»، (مضيفا)، ما نتحدث عنه ليس هو جلوس الإسرائيليين والفلسطينيين معا على الطاولة ولكن جلوس الإسرائيليين مع الفلسطينيين وجلوس الإسرائيليين مع السوريين وجلوس الإسرائيليين مع اللبنانيين».

على نحو مواز يصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى شرم الشيخ لإجراء محادثات تحت مظلة تعتبر مصر «أحد اللاعبين الرئيسيين، وعليها دور كبير في الحفاظ على استقرار المنطقة تسبقه لها تصريحاته بأن حكومته «تبحث عن السبل الكفيلة بإزالة ما سماها المعوقات البيروقراطية، دون تعريض أمن «إسرائيل» للخطر».

في الوقت ذاته يتلقى خادم الحرمين الأمير عبدالله بن عبدالعزيز رسالة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حملتها له وزيرة الاقتصاد الفرنسية كيستين لاجارد، ويقوم باتصال مع الرئيس المصري حسني مبارك يبحث فيه معه «الأوضاع الراهنة على الساحتين العربية والدولية والقضايا ذات الاهتمام المشترك». العواصم العربية مشغولة بإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، وكل منها تخشى أكثر من تخشاه، أن يسقط اسمها، سهوا أو بشكل متعمد من، من برامج ومخططات إعادة الرسم هذه.

هذه التحركات والاتصالات، إن نمت على شيء، فإنما تنم عن مسألتين أساسيتين:

1. إن هناك اهتماما عالميا بمستقبل المنطقة، وأن جميع القوى الدولية ذات المصالح في الشرق الأوسط، أدركت أن حالة العنف المستمرة، لا يمكن أن تقود لما يمكنه أن يوفر البيئة الصالحة لحماية هذه المصالح. ناهيك عن الدفاع عنها. ومن هنا فإن أي مشروع يهدف إلى ترتيب الأوضاع في المنطقة، لابد له وأن يراعي مصالح الأطراف جميعها، بما فيها نلك القوى ذات الإمكانات السياسية والعسكرية المتواضعة، مقارنة مع اللاعبين في هذه الساحة، مثل الفلسطينيين. وأن مرحلة إقصاء هذه الفئة أو تلك لم يعد ممكنا، إن لم يكن مستحيلا.

2. إن القوى المحلية، بمن فيها القوى الفلسطينية قد توصلت، هي الأخرى إلى قناعة راسخة تقوم على ضرورة مراجعتها لبرامجها الداخلية، إن هي أرادت أن تكون أحد اللاعبين المعترف بهم في هذه الساحة. والأمر ذاته ينطبق على «إسرائيل»، بما يشمل القوى اليمينية المتطرفة فيها، التي بات عليها أن تغير ذهنية الإقصاء التي سادت تصرفاتها منذ تأسيس دولة «إسرائيل» في أربعينيات القرن الماضي، وأن تتخلى بالتالي عن ذلك الشعور بالتفوق العسكري أوالسياسي الذي أباح لها كل سياسة العربدة التي مارستها على مدى النصف قرن المنصرم.

باختصار شديد مرة أخرى تطغى الحالة السياسية في الشرق الأوسط على سواها من الأحداث، ومن بين أهمها ذلك التصريح الذي بثه موقع «سي إن إن» نقلا عن صحيفة عرب نيوز، والذي أجاز فيه القاضي حمد الرزين، أمام مؤتمر البرنامج الوطني لحماية الأسرة «ضرب الزوجات على أيدي أزواجهن إذا أسرفن في الإنفاق». وقد جاء ذلك التصريح كما يقول الموقع يعرض تفسير الرزين لظاهرة «تنامي العنف الأسري في المملكة أثناء ندوة تناقش الظاهرة». نقرأ هذا الخبر، الذي ورد في عدد محود من وسائل الإعلام وفي أماكن غير بارزة كتلك التي استحوذت عليها التحركات السياسية، دون أن تنمحي من ذاكرتنا قصة مصادقة محكمة في منطقة عنيزة، «على طلاق طفلة في الثامنة من عمرها من رجل خمسيني، بعد جدل كبير أثارته القضية محليا ودوليا، وشفاعات تقدم بها عدد من المسئولين في المنطقة إلى الزوج».

قد يبدو هناك بعض «الافتعال» في الربط بين القضيتين: ترتيب الوضع السياسي، وترتيب أوضاع المرأة في المنطقة العربية. لكن القضيتين مترابطتين بشكل عميق، بل لربما أن تردي كفة العرب في موازين ترتيب أوضاع المنطقة، يعود، في بعض جوانبه، إلى تردي أوضاع المرأة العربية في عقر دارها. ذلك لأن تردي أوضاع المرأة العربية لا يعدو كونه انعكاسا دقيقا لمدى اهتمام المجتمع العربي برمته لإصلاح أوضاع تلك المرأة وإنصافها. ولا يقتصر ذلك التردي على الأوضاع في المملكة السعودية، كما يحلو للبعض أن يروج، بل هي ظاهرة عامة تشمل البلدان العربية دون أي استثناء، فهو لا يتعدى القشور السطحية التي لاتغوص في أعماق المشكلة. وبوسعنا أن نسرد قائمة من الظواهر التي تدلل على أن نيل المرأة العربية حقوقها لا تأتي في أعلى عتبات سلم القضايا العربية. هناك ختان البنات في مصر، وهناك تشغيل البنات القصر في الأعمال الشاقة في المغرب، وهناك الدعارة، على أوسع نطاق في صفوف زوجات وبنات القتلى في العراق. وهناك الأجور غير المتساوية لصالح الرجل في بلدان الخليج العربي، وهناك الوظائف المحرمة على المرأة العربية في كل البلدان العربية الاقتراب منها لأسباب شرعية أو حضارية. كل هذه الظواهر تحظى باهتمام محدود من قبل الدولة في البدان العربية، واهتمام أدنى من منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة بحقوق المرأة العربية وحل مشكلاتها المركزية، وليس الهامشية.

ما لم يرفع العرب قضايا المرأة وحقوقها من قاع الأولويات إلى سقفها، فليس من المتوقع أن ينجحوا في تحديد موقعهم الصحيح في معادلة الشرق الأوسط الدولية. ولعل أحد أبسط الأسباب هو أنهم يلجون تلك المعارك بنصف قوتهم، بينما يقتحمها الآخرون، ومن بينهم «إسرائيل» بكامل قواهم ومن بينها المرأة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2440 - الإثنين 11 مايو 2009م الموافق 16 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً