العدد 244 - الأربعاء 07 مايو 2003م الموافق 05 ربيع الاول 1424هـ

قراءة في فكر محمد الغزالي

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

كلما قرأت لمحمد الغزالي ازددت ايمانا بحضارية فكره ورحابة تلك الآفاق المعرفية التي يحملها، ففيه التوازن الفكري والرؤى الناضجة التي لا تتقوقع في الأطر الضيقة، فشبابنا بحاجة ماسة إلى الإقتراب من فكر مثل هؤلاء العلماء الذين عاشوا التجربة العميقة فراحوا يقدمونها دروسا إلى الشبيبة كي تستفيد منها فلا تسقط في تلك الأفكار التسطيحية الجاهزة. ولا بأس من أن نعرج قليلا على بعض أفكاره مستخلصين من كتبه وبعض الحوارات التي قدمها لنقترب من ملامح بعض فكره، فالشيخ يعيب على بعض الإسلاميين الذين يتوجسون من الديمقراطية إلى درجة الهوس بل المس فيقول ناقدا: «اعترف بأن عددا من الإسلاميين ليسوا ناضجي الوعي في فهم قضية الشورى وانهم قد ينظرون إلى الديمقراطية نظرة غير واعية فالديمقراطية في تصورهم هي حرية المعصية». بالطبع للديمقراطية مساوئ وإيجابيات، والإسلاميون عندما يدعون إليها يعنون بالديمقراطية ما يتناسب مع المبادئ الإسلامية وعلى رغم مساوئها إلا أنها أفضل ألف مرة من الحكم الدكتاتوري.

ويوصي الشباب المؤمن «بعدم حبس المرأة في البيت» أو «حصار الدين في المسجد» فهو يدعو إلى قراءة العصر بواقعية وفرض الإسلام بالحوار وثقافة التسامح لا ثقافة التفكير والتطرف ضد الآخر وكل ذلك بالطبع يرجعه إلى مدى رجاحة عقل المسلم فهو يقول: «احترم من يخطئ بعقله لانه مادام صاحب عقل فسيصل إلى الصواب يوما».

لهذا نجده يعيب على بعض شبابنا المسلم انتهاج ثقافة «الخوارج» القائمة على البساطة والسذاجة والقشور والذين وصفهم الشيخ ابن زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية) انهم جاؤوا من بادية العرب حيث الفكر العدائي المتعجرف. فيصف هؤلاء المتعصبين الذي أراد قتل الإمام علي (ع): «لا تصلح الحياة إلا بقتل هذا» ولذلك اختار ابن ملحم قتل الإمام ليلة القدر «إيمانا لطلب الأجر والحصول على الثواب».

فالغزالي يؤمن بالإسلام الكوني لا المحصور في الصوامع المذهبية فيقول: «الإسلام حياة كاملة، والحكومة فيه مدنية بطبعها لأنه ليست لها قداسة أو كهنوت». وهنا يرد على قول بعض العلمانيين من أن الإسلام يعمل على فرض حكومة دينية ثيوقراطية لا مدنية تلبي ذلك المجتمع المدني القائم على العقد الاجتماعي وعلى سلطة المؤسسات وهي اشكالية حاول أن يركز عليها خصوم الإسلام من الايديولوجيات الأخرى.

لكن يرى أن سبب ضعف المسلمين ليس في اسلامهم وانما في انفسهم قائلا: «يروى ذلك في حادثة: لقد تبرعت بمبلغ من مالي الخاص إلى ضحايا حوادث ديروط من المسلمين والأقباط، فجاء منزلي أحد المتطرفين يلبس سروالا باكستانيا - على طريقتهم - ليحتج، فرفضت استقباله وطردته، هذا مالي وتبرعت به لله فما دخله؟ كان كطفل غبي وعنيد يريد أن يسيطر على أبويه» وهذه المشكلة تتكرر كثيرا عندما يحاول شاب متحمس فرض آرائه على عالم خبر الحياة وعاش تجاربها وليس من البعيد أن يضعه في مربع الخيانة أو التآمر او الانحراف الفكري لأن هذه الأسلحة من التشهير بدأت تشهر في وجه كل من دعى إلى فرض الدين بسلاح العقل والحوار والحجة، وخصوصا من دعاة الفكر الكهفي. لكن على رغم ذلك يقول الغزالي: «اذهب أنا لكي أناقش عقولهم» ويرى أن مرد هذا التفكير يرجع إلى «قصور في الفكر».

أما في ما سمي سياسيا بالغالبية الصامتة فيقول «الغالبية الصامتة هي التي تمثل الإسلام الصحيح في الغالب بمواريثها الطيبة، ورغبتها في أن تعيش حياة معتدلة، وبفهمها البديهي للفضائل والرذائل، وبأين تقف سلطات الحاكم، وأين تقف حقوق الجماهير».

أما بالنسبة إلى موقفه من قصور الحكومات وواقعها فيقول: «العالم العربي فيه حكومة الأمر الواقع» ويعيب على الحاكم العربي تميزه على الجماهير عاقدا المقارنة بينه وبين الغرب على رغم تحفظه على بعض مساوئ الغرب: في الغرب يعرف كل إنسان ما له وما عليه، فالحاكم يدرك أنه مواطن عادي، ولذا عندما يخرج من الحكومة إلى الطريق العام يمشي في الطريق ولا يخاف أحدا ويجلس على مقهى ولا يخاف أحدا بخلاف ما هو عندنا... فالعالم العربي محتاج إلى جرعات كبيرة من الحرية، كما تحتاج الصحراء إلى فيضانات من المياه لتخصبها.

ويعيب على الأنظمة ممارسة التعذيب فيقول:

«ما يحدث ضد القانون هو ما أخافه... فهل يوجد في بنود أي قانون أن يعذب المتهم، أنا أعرف أناسا عذبوا بالكهرباء والاعتداء الجنسي في فترة الستينات، وليس هناك قانون يقر هذا...».

بالطبع الحديث عن أفكار الغزالي حديث جذاب يفتح للمسلم آفاقا رحبة لما يعيشه من ثقافة تسامحية تجاه الآخر من المسلمين. ويكتسب فكره أهمية في عالمنا الإسلامي ليس فقط لعمقه وانما لما يمتلكه من صدقية على الأرض، فالرجل تعرض لعدة اعتقالات بسبب آرائه الجريئة فضلا عن تلك النعوت المؤدلجة الرخيصة التي وصفته بالانحراف من قبل بعض العقول الكهفية والتكفيرية التي راحت تلقي على خطابه الحبر الأسود مدعية احتكار الحقيقة واضعة الرجل في صف «الضلال» و«الانحراف عن الدين»؛ فضلا عن ذلك تعرض هذا الامام المعرفي إلى عدة اعتقالات من حكومات عدة أولاها لمدة سنة أيام الملك فؤاد، ثم فترة أخرى أيام الملك فاروق، ثم فترة ثالثة أيام جمال عبدالناصر.

وعلى رغم ذلك ذهب مدافعا عن آرائه وبدأ خطابه يعطي ثماره خصوصا في رفضه لثقافة التكفير للمسلمين وانتهاج لغة التخوين للآخر المسلم. ولعل ما كتبه من دستور لوحدة المسلمين سنة وشيعة هو علامة من علامات رحابة وتسامح هذا الفكر. نعد القراء أن نتعرض مفصلا لهذا الدستور مع مصادره حتى ننعم بمثل هذا الفكر وحتى يعود إلى الواجهة الإعلامية، فالناس الطيبون يبحثون عن التوازن وعن الفكر الإسلامي المتسامح بين المسلمين لا الفكر الطائفي الذي يدعو إلى تمزيق المسلمين، حتى لا ينطبق علينا قول المفكر «ويل لامة كثرت فيها الطوائف وقل فيها الدين» فالغزالي ركز كثيرا على دور المؤسسات السياسية في العالم العربي فراح يدعو الحاكم العربي إلى التمسك بالإسلام قائلا: أيها الحاكم لا نستطيع أن نطرح الاسلام جانبا، ونحن نرى دولة «إسرائيل» تقوم إلى جوارنا على أساسٍ ديني.

ولا يفل الحديد إلا الحديد، وإذا كانوا يحملون التوراة فلنحمل القرآن.

أيها الحاكم: أرجو أن تقيم الأمة الإسلامية على دينها وألا تباعد بينها وبين تراثها، مع ضمنية أخرى - لابد منها - وهي بالتطبيق المعاصر الحسن الراشد»

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 244 - الأربعاء 07 مايو 2003م الموافق 05 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً