موجة أزمات جديدة تطل بوجهها على الاقتصاد الأميركي، فقد نقلت الحكومة الأميركية خبر عجز «عشرة من نحو تسعة عشر مصرفا هي الأكبر في البلاد عن مواجهة المزيد من الانهيار في اقتصاد البلاد وأن عليها الحصول على المزيد من الأموال». وتستند واشنطن في ذلك على خلاصة إحصاءات مستقاة من بحوث «أجراها البنك المركزي الأميركي بالتعاون مع وزارة التجارة على هذه البنوك لمعرفة ما إذا كان لديها رأس المال الكافي إذا ما اشتد الركود أكثر».
ووفقا لذلك البحث تحتاج «البنوك العشرة إلى مبلغ 74.6 مليار دولار لتعزيز احتياطيها النقدي، وبأن بنك أوف أميركا، هو الأكثر هشاشة أمام الضغوط وإنه بحاجة إلى 33.9 مليار دولار». وقد اختلف بعض المحللين، مع صبغة التفاؤل التي شابت ذلك التقرير، مؤكدين أن نظرتها «الإيجابية ليست دليلا على سلامة البنك المالية».
ومن بين المظاهر التي تشير إلى عدم شفاء الاقتصاد الأميركي من أزمته، إن لم نقل استمرار تدهوره، هو تردي أوضاع صناعة السيارات التي تعتبر من أعمدة ذلك الاقتصاد، وإحدى ركائزه الأساسية، حيث تواصل أكبر فئة في تلك المجموعة، والتي هي جنرال موتورز، الإفصاح عن مزيد من الخسائر عبرت عنها نتائج الربع السنوي الثامن على التوالي، حيث بلغت خسائر الربع الأول من العام 2009 نحو ستة مليارات، مقابل 3.3 مليار دولار خسائرها خلال الفترة ذاتها من العام المنصرم. ترافق ذلك، وهو الأسوأ، مع تراجع المبيعات إلى النصف لتبلغ 22.4 مليار دولار. وتحذر الأوساط المالية من احتمال لجوء مجموعة جنرال موتورز، إلى ما سبقته إليها شركة «كرايسلر» التي تقدمت، مؤخرا، بطلب حمايتها من الإفلاس.
الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي منح جنرال موتورز، ثلاثة أشهر كي تحاول خلالها إعادة هيكلة إداراتها واستراتيجيتها درءا من الوصول إلى نقطة إعلان الإفلاس، يحاول أن ينتشل الاقتصاد الأميركي على مستويين: داخلي اقتصادي، وخارجي سياسي.
على المستوى الداخلي الاقتصادي، وجدناه، كما ورد على موقع «سي إن إن» يتحرك باتجاه «تخفيضات في موازنة بلاده للعام القادم 2010، بمقدار 17 مليار دولار، عن طريق وقف أو خفض موازنة 121 مشروعا حكوميا، كي يقلص العجز والهدر الذي تعاني منه الموازنة الأميركية» ، القائمة على «إعادة إحياء قاعدة التوفير مقابل الإنفاق والتي تحتم على الكونغرس عدم تخصيص أموال لمشاريع ما لم يتم توفير مبالغ موازية لها».
فبالابتعاد عن سياسة البذخ غير المبررة، بما فيها تلك التي لها علاقة بالصناعة العسكرية، والإنفاق على المشروعات المنتجة، ذات الجدوى الاقتصادية العالية، والمردود المالي السريع، من نمط المشروعات الإنشائية، يفتح أوباما الباب على مصراعيه أمام مشروعات تمتص نسبة عالية من نسبة البطالة العالية في السوق الأميركية، وتسرع من دورة السيولة النقدية، الأمر الذي من شأنه الحد من اتساع حالة انعدام الثقة التي انتشرت في صفوف المؤسسات المالية الأميركية، بما فيها المقرضة. من المتوقع أن تستغرق هذه السياسة بعض الوقت كي تؤتي أكلها، وتظهر نتائجها. لكن ما يبعث الثقة في نفس المواطن الأميركي، هو تمسك أوباما بها وحرصه على تطبيقها بشكل تدريجي، ولكن مستمر.
أما على المستوى الخارجي السياسي، فهناك أبواب العلاقة مع روسيا التي شرعها أوباما واسعة، لإعادة هيكلتها بما يقلص من الخلافات، الأمر الي من شأنه، اقتصاديا، تقليص النفقات التي كانت تهدرها سياسات التصعيد مع موسكو التي كانت عصب السياسة الخارجية في إدارة الرئيس السابق بوش. كان ذلك واضحا في ما أعلنه باراك أوباما إثر استقباله وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي كان في زيارة رسمية للولايات المتحدة، التقى خلالها نظيرته الأميركية هيلاري كلنتون. وأكد أوباما ذلك حين قال للصحفيين عقب الاجتماع مع لافروف «إن لدينا فرصة ممتازة لإعادة ترتيب العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن جميع القضايا».
وأكدت ذلك هيلاري كلينتون مخاطبة، بعد اجتماعها مع لافروف، الصحفيين قائلة «إذا نظرتم إلى ما نقوم به من عمل بشأن اتفاقية خفض الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) وحظر الانتشار، إن ذلك يتعلق بالسلامة المستقبلية للعالم وإن الولايات المتحدة وروسيا تتحملان مسئولية خاصة. لذلك نعمل سويا بجد». وكما يبدو فلدى روسيا هي الأخرى الاستعداد للمضي في تطوير العلاقة إيجابيا مع واشنطن، إذ نجد لافروف يجيب على تصريحات هيلاري مخاطبا الصحفيين بالقول «مهمة مواصلة خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية أمر من الأهمية بمكان بالنسبة لكل من روسيا والولايات المتحدة وللعالم بأسره في الواقع، بحيث لا يمكن جعله رهينة لأي نظام معين في أي مكان في العالم.»
إلى جانب روسيا، هناك العلاقات الأميركية مع دول مثل إيران والعراق، التي حولها بوش إلى علاقات نازفة للخزانة الأميركية، يحاول أوباما أن يغلق ذلك الجرح، كي يوقف ذلك النزيف. لقد نشر بوش خلال ثمان سنوات من ولايتيه، شبكة من الفيروسات المؤذية للاقتصاد الأميركي. ليس القصد هنا إلقاء التهمة برمتها على جورج بوش، لكنه بالتأكيد، ومن جراء سياسته القائمة على العودة إلى السياسة الاستعمارية القديمة التي تمزج بين الاحتلال العسكري المباشر، كما كانت عليه السياسة الأميركية في أفغانستان، ومنه بعدها العراق، والنهب المباشر وبشاهية مفتوحة للبلاد التي يسيطر عليها ذلك الاحتلال العسكري كما تجري الأمور عليه في العراق.
إن أمام أوباما مزرعة من الفيروسات التي زرعها بوش، قبل مغادرته البيت الأبيض، في عواصم كثيرة من العالم، فهل ينجح أوباما في ردم هذه البؤرة الملأى بالفيروسات البوشية؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2437 - الجمعة 08 مايو 2009م الموافق 13 جمادى الأولى 1430هـ