العدد 2434 - الثلثاء 05 مايو 2009م الموافق 10 جمادى الأولى 1430هـ

عثرةٌ جديدةٌ في عيد الصحافة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فيما كنت أراجع المقال المنشور أمس مراجعة أخيرة، تلقيت مكالمة من رئيس جمعية الصحافيين البحرينية لحضور استدعاء عضو مجلس الشورى السابق عبدالحسن بوحسيّن، أمام النيابة العامة.

ظننت أن الدعوى بسبب مقاله الأخير (الاثنين)، فأمسكت بالصحيفة لأقرأه، فلم أجد فيه شيئا يستدعي الاستدعاء، ويقال إن الدعوى بسبب مقالٍ نشره قبل ستة أشهر، كما أن الجهة الشاكية هي نفسها الشاكية على زميلتنا مريم الشروقي.

كان أكثر الشكاوى فيما مضى، يرفعها أفرادٌ وجهاتٌ أهلية، أحيانا يكون لها الحقّ على الصحافة، وأحيانا يكون بسبب التباسٍ يقع فيه الكثيرون، لخلطهم بين النقد والتشهير.

التطوّر الجديد هو أن الشكاوى الأخيرة بدأت تصدر من جهاتٍ رسمية معينة، ومن شخصياتٍ داخلةٍ توا على المنصب الحكومي، وهو ما حذّر منه عددٌ من الكتّاب، لئلا يتحوّل المنصب الرسمي هدية واصلة، وتحفة نازلة، مقابل الولاء السياسي، وشراء المواقف مقابل صفقات مع بعض التيارات الدينية المتشدّدة. وبحكم التربية الحزبية المغلقة، من الطبيعي أن تتأثر القرارات بالمواقف السياسية والفكرية المسبقة تجاه الآخرين، فنقع في أحد الأخطاء السياسية القاتلة، وهو استملاك الفضاء العام لصالح تيارات معينة على حساب بقية مكونات المجتمع، وتكريس سياسة الاستئثار.

المرض الآخر الذي ينقله هؤلاء الحزبيون المنغلقون إلى المنصب العام، إنهم يتصرّفون بعقلية امتلاك الحقيقة المطلقة، فتصبح قرارات المدير أفعالا لا يطالها التقييم أو النقد كما تعوّدوا في جمعياتهم، وعلى من يتجرأ على ذلك المثول أمام المحكمة. وهي سابقةٌ خطيرة، ومفارقةٌ عجيبة، نسجّلها هنا بموضوعية، فأكثر الوزراء والمسئولين أصبحوا يتقبّلون النقد، ويتابعون ما تنشره الصحف باهتمام. أما هؤلاء الذين يجري تمكينهم حاليا من رقبة الدولة والناس، فيعتبرون النقد موجّها لمحاربتهم والإطاحة بهم شخصيا، وليس لتقويم أدائهم كمتولّين لمصالح عامة تخص الناس جميعا.

هذه الحالة من الضيق بالنقد، وعدم مواجهة الحجة بالحجة، والترفع عن الردّ على الناس باعتبارهم قاصرين أو معادين أو متآمرين، تؤدي إلى تماهي شخصية المدير مع المؤسسة، وتذوب المؤسسة في شخص المدير... في استنساخٍٍ جديدٍ لعقلية لويس الرابع عشر: «أنا الدولة والدولة أنا»، على مستوى الدوائر والمؤسسات الحكومية.

كثيرون حذّروا من مغبّة الإتيان بأشخاصٍ تربّوا في أحضان الجمعيات الدينية المنغلقة فكريا، إلى مناصب رسمية في مؤسسات الدولة، باعتبار ما ستئول إليه هذه السياسة من تمكين واستئثار. وتجارب البلدان المجاورة تبرّر هذه المخاوف، فكم من مرةٍ انقلب فيها السحر على الساحر، ولكن الدروس لا نتعلّمها إلاّ في وقتٍ متأخرٍ وبعد فوات الأوان.

الاستدعاء الأخير لعضو مجلس الشورى السابق، يأتي بعد أقل من 24 ساعة من إطلاق وزيرة الثقافة والإعلام مي آل خليفة «المبادرة البحرينية للإعلام المدني». ومطاردة الصحافيين والكتّاب لنشرهم آراء تعارض سياسات معينة وانتقادات لأداء مسئولين، تنسف الدعوة المجمع عليها رسميا وأهليا، لإصدار قانون صحافةٍ عصري يوفّر الضمانة القانونية لحرية الصحافة والرأي والتعبير.

إن السامر لم ينفضّ بعدُ عن احتفالات البلاد بيوم الصحافة العالمي، حتى نُفاجأ باستدعاء كاتبٍ آخر إلى النيابة العامة، وإقالات جديدة في صفوف الصحافيين، مع توقع اتساع رقعتها مع تفاقم الأزمة المالية... كل ذلك يضع عبئا كبيرا على عاتق إدارة جمعية الصحافيين، ويثبت صحة دعوتنا أثناء الانتخابات الأخيرة إلى ضرورة التغيير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2434 - الثلثاء 05 مايو 2009م الموافق 10 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً