سجال علني ساخن، شديد اللهجة تدور رحاه اليوم بين رئيس الحكومة الإيطالي سيلفيو برلسكوني وزوجته فيرونيكا لاريو. فبعد أن اتهمت فيرونيكا زوجها بدعمه «لمرشحات إلى الانتخابات الأوروبية التي تقام في يونيو/ حزيران مؤهلاتهن الوحيدة برأيها أنهن من النساء الجميلات اللواتي يشكلن ترفيها إضافيا للإمبراطور سيلفيو برلسكوني»، وطالبت بالطلاق منه، بادر برلسكوني إلى نفي التهمة، مشيرا إلى أن زوجته لاتعدو كونها «من ضحايا اليسار»، وأتبع ذلك بهجوم مضاد طالب فيه زوجته بالاعتذار العلني.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تفتح فيها فيرونيكا النار على زوجها، فالعالم يذكر ذلك الهجوم الذي شنته عليه في أعقاب تصريحاته، في أعقاب الزلزال الذي ضرب إيطاليا، حين أبدى إعجابه الشديد بالطبيبة الفاتنة فابيولا كاريري، التي كانت من بين أعضاء فريق رعاية ضحايا الزلزال في إحدى المناطق، قائلا «كنت أتمنى أن تقوم كاريري بصعق قلبي بالصدمات الكهربائية».
غراميات وفضائح الرؤساء غير العرب الإجتماعية غير السياسية، لم تكن في أي يوم من الأيام سرا على أحد. نشير إلى غير السياسية، لكون هذه الأخيرة، متفق على أنها ملك مشاع من حق المواطن الوصول إلى أدق تفاصيله، كما شاهدنا وسمعنا أخبار فضائح مثل: «ووتر غيت، والكمونترا وغيرها». وعودة إلى الغراميات، فهي الأخرى قائمة طويلة يمكننا الإسترسال في سردها. لكننا نكتفي هنا بالإشارة إلى البعض الأكثر شهرة من بينها.
هناك أولا علاقات الرئيس الأميركي الذي اغتيل في العام 1963، جون إف كينيدي، مع ممثلة الإغراء الشهيرة حينها مارلين مونرو. وهناك أيضا العلاقات السرية التي نسجها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجر مع إحدى وزيرات حكومته أدوينا كاري. ولا تزال عالقة في أذهان الكثير منا فضيحة البيت الأبيض، في عهد بيل كلينتون، التي شاركته بطولتها موظفة متدربة في مكتبه، مونيكا لوينسكي، والتي وصلت لعنتها عليه إلى درجة وصلت حرمانه من ممارسة مهنة المحاماة في ولاية أركنسو، وهي الولاية التي كان حاكما لها قبل توليه رئاسة الجهورية، حيث اتهمته لجنة الممارسة المهنية في المحكمة العليا بولاية أركنسو «بارتكاب مخالفات جسمية أثناء قضية التحرش الجنسية التي رفعتها ضده باولا جونز إحدى سكان الولاية».
وخارج الدول الغربية، هناك رئيس البوروغواي فرناندو لوجو الفائز في الانتخابات الرئاسية في أبريل/ نيسان من العام 2008 ، البالغ من العمر 57 عاما، الذي اضطر إلى الاعتراف بطفل طان نتيجة علاقة أقامها مع فتاة عمرها 16 عاما.
أما في التاريخ العربي غير المعاصر، فالكل منا يذكر «حريم» الحاكم العباسي هارون الرشيد، الذي طافت شهرته الآفاق في شغفه بالعلوم والتطور العلمي، لكنه وبالقدر ذاته، كان أسير شهوات جنسية شاركه فيها وكشف الكثير منها الشاعر الإباحي أبو نواس.
الدروس المتواضعة التي يمكن أن نستخلصها من فضائح الزعماء، غير العرب، المعاصرين، كثيرة ومتنوعة، لكننا بوسعنا تلخيص المتواضع منها في النقاط التالية:
1. تفقد حياة الرؤساء الخاصة مبررات سريتها وتتحول، شأنها شأن كل ممتلكات الرئيس الأخرى، إلى ملكية عامة من حق المواطن أن يطلع عليها. ليست هناك خطوط حمراء تقف عند حدود القصور الملكية، أو المكاتب الرئاسية، عندما يتجاوز الرئيس أو الملك حدوده ممتلكاته الخاصة، وتسول له نفسه العبث بممتلكات الدولة، سواء كان ذلك العبث، مصدره الاستغلال غير الأخلاقي للمنصب الذي يحتله الملك، أو النفوذ الذي بحوزته. رقابة شعبية صارمة تتهاوى أمامها جدران أعتى القلاع الملكية، والأسوار الرئاسية. العبث هنا، كما ذكرنا، يشمل المواطن نفسه، فتاة قاصرة كانت أم امراة ناضجة.
2. لا ينحرف اتجاه العقاب من طريقه الصحيح فيتجه نحو الضحية كي ينتقم منها، لأنها الأضعف، تاركا، حرا طليقا، من ارتكب الجرم، ملكا كان أم رئيسا. لعنة مونيكا ظلت تطارد كلينتون، بدلا من ملاحقة مونيكا. وطالما كان الحديث هنا عن «جرائم أخلاقية ضحاياها من النساء»، فلم نشاهد انتقاما شعبيا من المواطنين من أولئك الضحايا. لقد صب الناس جام غضبهم على من انتخبوهم من الرؤساء، وليس من استغلهم الرؤساء من أولئك النسوة، الضعيفات مهما بلغن من القوة مقارنة بالرؤساء.
3. واصلت المؤسات الإعلامية أو الثقافية التي كانت وراء الكشف عن تلك الفضائح، مسيرتها المهنية، ولم تصبح ضحية انتقام غير شرعي استخدم فيه الرئيس قنوات نفوذه وجلاوزته. بل إن تلك المؤسسات حققت أرباحا طائلة، بما غير مبرر، وانتشارا واسعا، يصعب قبول البعض منا به، من وراء ذلك الكشف عن حقائق ما يدور في دهاليز القصور وأروقة المكاتب.
عندما نعود إلى الحظيرة العربية، تصدمنا صورة مغايرة تماما، فإذا ما تجاوزنا تلك الهالة، غير المبررة، من العذرانية (من عذراء) التي يحاط بها المسئول العربي والتي يوصل مستواها من الطهرانية، صاحبها الذي لايستحقها، إلى مصاف القديسين، نصطدم بجدار سميك آخر أقامه المنافقون، ممن يحبوهم السلطان برعايته وحمايته، في آن، الذين لا يكفون عن محاربة الاتجاهات التي تحاول أن تكسر «هيبة» السلطان المصطنعة التي تغذيها مشاعر وسلوكيات أولئك المنافقين والأزلام.
لقد آن الأوان كي يصبح الحاكم العربي، مواطنا عاديا يتمتع بكل حقوقه التي تفرضها طبيعة وظيفته ومتطلباته، لكن دون أن تصل تلك الحقوق إلى درجة يصبح فيها السلطان ظاهرة غير طبيعية، فوق البشر، لا يعرف الخطأ طريقه إلى سلوكها، ولا يأتيها الباطل من أمامها أو من خلفها. فالجميع، في نهاية المطاف بشر، ومن من البشر لايخطئ كي يحق له رمي الآخرين بالحجارة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2434 - الثلثاء 05 مايو 2009م الموافق 10 جمادى الأولى 1430هـ