العدد 2432 - الأحد 03 مايو 2009م الموافق 08 جمادى الأولى 1430هـ

ماذا بعد خسارة النصف تريليون دولار؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في تقرير خاص، خلى من كل أشكال المواربة، أعلن ‏بنك الكويت الوطني أن أسواق المال الخليجية (البورصات) قد فقدت حوالى نصف مليار (500 مليار) دولار من قيمتها السوقية. وحدد ذلك زمنيا بشهر سبتمبر/ أيلول 2008، معتبرا ذلك تاريخ بداية وصول الأزمة المالية العالمية للمنطقة.

حفل التقرير، كما تناقلته وسائل الإعلام بالكثير من التفاصيل الدقيقة التي بوسع من يتابع حركة تلك الأسواق أن يستفيد منها، حيث جاء فيه أن ذلك «لا يعني بالضرورة أن قيمة الأسهم الحالية باتت دون مستواها العادل نسبة إلى الأرباح المحتملة حيث تتمثل المعايير الأكثر شيوعا لتقدير القيمة السوقية بمعدلي السعر إلى الربحية والسعر إلى القيمة الدفترية»، كما أوضح التقرير أن «مؤشر القيمة السوقية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في معظم الدول الخليجية، بات حاليا أدنى بشكل ملحوظ من متوسطه للمدى المتوسط، ما يجعل أسعار الأسهم أكثر جاذبية، وقد يأخذ المستثمرون في حساباتهم حاليا معدلات نمو اقتصادي أدنى بكثير من المعدلات السابقة، كما أن قدرتهم على شراء الأوراق المالية تقلصت، نتيجة الضوابط الائتمانية».

قبل الحديث عن الأوضاع الاقتصادية المتردية، والمتوقع لها أن تزداد ترديا، في الخليج، خلال الأشهر القليلة المقبلة، لابد من الإشارة إلى تبخر أوهام من كانوا يحلمون بالهروب برؤوس أموالهم إلى الخارج، بحثا عن فرص استثمار عالمية جديدة، ضنا منهم أن غيوم الأزمة قد انقشعت من الأسواق العالمية، وعلى وجه الخصوص الأوروبية والأميركية، حيث تربض الاستثمارات العربية، والخليجية منها على وجه الخصوص، بحثا عن فرص استثمارية جديدة. هذا ما تؤكده توقعات اجتماع وزراء مالية الدول السبع، الذي شارك فيه محافظوا البنوك المركزية لتلك الدول الذين التقوا يوم الجمعة الماضي الموافق 1 مايو/ أيار 2009، حيث أجمعوا على أن «النشاط الاقتصادي سيبدأ في النهوض في وقت لاحق من العام الجاري، إلا أنهم أشاروا إلى أن خطر تدهور أوضاع الاقتصاد العالمي مازال قائما».

وكان وزير الخزانة الأميركي تيموثي جيثنر أكثرهم وضوحا خين قال «إننا على حق في التفاؤل إلى حد ما لكن سنكون على خطأ إذا استخلصنا أننا سنخرج من الظلام الذي خيم على الاقتصاد العالمي في وقت مبكر من الخريف الماضي».

وعلى نحو مستقل، أكد المستثمر وارين بافت، الذي كان يخاطب 35 ألفا من حملة أسهم شركته بيركشير هاذاواي، خلال اجتماعها السنوي العام بأوماها في ولاية نبراسكا الأميركية، «إنه يتوقع أن تستمر خسارة الشركة هذا العام، وإن الاقتصاد العالمي قد واجه عاصفة مالية، وليس هناك من ينتظر الكمال».

بعيدا عن الأزمة وتأثيراتها على الاقتصاد الخليجي، لابد من التأكيد على ان هذا الاقتصاد لايزال غير قادر على المنافسة. هذا ما أكدته دراسة صادرة عن «الكونفرنس بورد» وهي منظمة للأبحاث والأعمال العالمية بالتعاون مع «مؤسسة الخليج للاستثمار» وحملت عنوان «النمو خارج نطاق النفط»، حيث حذرت الدراسة من أن «مستويات الإنتاجية في اقتصاديات منطقة الخليج العربي متواضعة أو متدنية مقارنة بمناطق أخرى في العالم كما أن الاعتماد الزائد على النفط والغاز يشكل تهديدا لمستقبل النمو الاقتصادي في المنطقة».

ثم تذهب الدراسة إلى ما هو أعمق من أن «معدل الإنتاجية في الساعة الواحدة قد تراجع نسبيا بمعدل 0.2 في المئة في دول مجلس التعاون الخليجي بين العامين 2000 و2007 بعد استثناء قطاع النفط والغاز». الأمر الخطير في تلك الدراسة هو أن «دول الخليج تنفق كثيرا من عائدات النفط والغاز على قطاع البناء والعقارات الذي يتميز بإنتاجية منخفضة ولكنه يعطي انطباعا ظاهريا بالرفاهية الاقتصادية».

الصورة الخليجية كما تبدو اليوم، يمكن رسمها على النحو التالي: خسائر متلاحقة في الأصول، تراجع فرص الاستثمار في الأسواق الداخلية والخارجية على حد سواء، تراجع معدلات الإنتاج في القطاعات الاقتصادية غير النفطية، إنفاق يفوق الدخل. هذه الصورة، مهما حاول المتفائلون تجميلها تكشف عورة الاقتصاد الخليجي، وتعريها وتحذر من المستقبل الذي ينتظره.

لكن ذلك لا يعني بالمقابل، استحالة الإصلاح أو تلافي الأزمة المقبلة، أو التخفيف من غلوائها. والخطوة الأولى على هذا الطريق هو الابتعاد عن سلوك المكابرة القائم على نفي وصول الأزمة إلى المنطقة، والادعاء خلاف ذلك.

بعد الاعتراف بالأزمة ينبغي البحث الجاد غير المزيف عن الحلول الصحيحة الطويلة المدى، غير المؤقتة أو المسكنة لها. والوصول إلى ذلك يبعدنا عن معالجة الأعراض والذهاب مباشرة إلى الأسباب، وترتيبها وفقا لأولوياتها.

والأولويات على هذا المستوى، هو الابتعاد عن النفط كمصدر واحد أساسي للدخل والانتقال منه نحو تنويع مصادر الدخل وتعزيز تلك المصادر القادرة على توليد القيمة المضافة التي اقتصادنا في حاجة ماسة لها. هذا لا ينبغي أن يقودنا إلى منحى خاطئ يتجاهل دور النفط في اقتصادياتنا الخليجية، لكنه يدفعنا، بتعقل، نحو الاستفادة من الدخول النفطية في بناء قاعدة اقتصادية متينة، مستخدمة السيولة النقدية التي تولدها تلك الدخول النفطية.

لقد بخرت الزمة المالية العالمية، ما قيمته نصف تريليون دولار، وليس هذا سوف أول الغيث، وعلينا أن نتوقع المزيد أن لم نبادر، من أجل وضع حد لأي تدهور محتمل، وهذا ما لايمكن تحقيقه قبل الاعتراف بالأزمة والإقرار بها، كخطوة أولى، يتبعها الخروج من الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2432 - الأحد 03 مايو 2009م الموافق 08 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً