مرة أخرى طفا الخلاف بين حزب الله اللبناني ومصر على سطح العلاقات السياسية العربية، عندما اعتبر أمين عام الحزب حسن نصر الله في خطبة صلاة الجمعة الماضية، أن الحملة السياسية والإعلامية التي شنتها مصر ضد حزبه «لم تؤت ثمارها، وأساءت إلى النظام المصري، دون أن تشوه صورة حزب الله»، مستطردا بعد ذلك في طرح مجموعة من التساؤلات التي اعتبرها البعض مبطنة بشيء من التحدي، وربما الاستخفاف بمصر عندما قال: «ماذا استفاد النظام المصري من حملته ضد حزب الله؟ وهل استعاد موقعه الإقليمي والعالمي؟ وهل استطاع أن يشوه صورة حزب الله؟ وهل تمكن من التأثير على الانتخابات اللبنانية؟»
لسنا هنا في مجال مناقشة ذلك الخلاف بين حزب الله والدولة المصرية، والذي انفجر مؤخرا عندما اتهمت هذه الأخيرة الحزب بتورطه في مشروعات مضادة لها وقولها إنها اكتشفت خلية للحزب تعمل في الأراضي المصرية، وهو ما نفاه الحزب أيضا.
لكن ذلك السجال بين الحزب والدولة المصرية يثير قضايا ذات علاقة بكثير من عناصر وأوجه الخلاف بين الأطراف العربية، أحزابا كانت أم دولا.
ذلك الخلاف يبرز أمام ناظري المواطن العربي تساؤلا مفاده: ما الذي يثير الخلافات بين حزب الله والحكومة المصرية في وقت أكثر ما نحتاج إليه نحن اليوم كعرب هو المزيد من الوحدة؟ وإن تعذرت فشيء من التماسك، مهما كانت هشاشة ذلك التماسك، عله يساعدنا على الصمود في وجه قوى كثيرة معادية في مقدمتها العدو «الصهيوني»، لها مصلحة مباشرة في تمزقنا واشتداد الخلافات في صفوفنا.
من السهولة بمكان، بل ربما من التبسيط تصوير ما يدور بين حزب الله والحكومة المصرية، على أنه امتداد للصراع بين إيران والغرب، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة، الذي يتمظهر في ساحة حبلى بالصراعات مثل الساحة العربية، بل قد يذهب البعض منا إلى ما هو أبعد من ذلك فيرى في الخلاف امتدادا لما يدور من خلافات بين إيران و»إسرائيل». لكن في ذلك الكثير من التبسيط الذي يصل إلى مستوى السذاجة السياسية، التي بتنا مطالبين بالخروج منها إلى ما هو أعمق وأكثر علمانية ومصداقية.
كان بإمكاننا القبول بذلك التحليل، لو كان الخلاف بين ذينك الطرفين، هو الخلاف الوحيد الذي يسود الساحة العربية، لكن من يلتفت يمينا أو شمالا في هذه الساحة، سيكتشف إنها مكتضة بالصراعات الداخلية العربية - العربية، التي لا دخل لأي من إيران أو حتى «إسرائيل» أي يد فيها.
ولو عدنا إلى مؤتمر قمة الدوحة الأخير، سنفاجأ أن عدد الخلافات الدائمة أكثر من أن تحتاج لإشعال الجديد منها، وشدتها أقوى من تحملها لأية إضافة لما موجود فوقها.
بل أننا لو راجعنا الوضع الفلسطيني الداخلي بعد حرب غزة لوجدناه ممتلئا بثقوب الخلافات التي أفشلت محادثات القاهرة بين حماس والسلطة الفلسطينية. والأمر شبيه بذلك إلى حد بعيد عندما نصل إلى العراق، الذي تمزقه الخلافات الإثنية، وتتظافر معها تلك الدينية والطائفية ضمن الدين الواحد في آن.
هذا يدفع أمامنا تساؤلا استراتيجيا- جوهريا يمس عصب الكثير من المسلمات التي يرددها العرب، بدءا من المواطن العادي البسيط، حتى نصل إلى أجهزة الإعلام العربية، وجميعهم يتحدثون عن «العرب» وكأنهم تكوين سياسي أو اقتصادي قائم يمارس وظائفه اليومية على نحو سليم، يبيح لهم الانطلاق من مسمى موجود هو ما يطلق عليه وصف «العربي».
هذا التساؤل عن «حقيقة وجود كيان» يحمل في ثناياه الكثير من الاستفزاز بل والتحدي. إذ يصعب القبول أن «الكتلة العربية» لا توجد في الواقع إلا في أذهان من يرفضون الاستماع إلى صوت الواقع، ويتدارون عنه وراء جدران خادعة أقامتها مقولات بحاجة إلى إعادة النظر والتمعن، بدلا من الاستمرار في اجترارها.
يحلو للبعض أن يلقي باللوم على واقع التمزق العربي هذا على الاستعمار أو القوى الأجنبية، لكن ما دخل الاستعمار فيما يدور في مملكة صغيرة مثل البحرين من صراعات طائفية تكاد أن تشطر سلوك المواطن إلى أكثر من نصفين؟
وكيف بوسعنا أن نثبت، للنفس، قبل الآخرين، أن الحروب التي خاضتها دول المغرب العربي بين بعضها البعض أبان بروز ما عرف باسم «دولة الساقية الحمراء ووادي الذهب» كانت تقف وراءها دول استعمارية؟
مثل هذه التساؤلات قد تبدو غريبة بعض الشيء، وقد تتصاعد غرابتها حتى تصل إلى مستوى التحدي الذي يغوص عميقا في داخل نفوس المواطن العربي، لكنه، أي المواطن العربي هل وضع نفسه، ولو للحظة واحدة، أمام تساؤل من مستوى: لماذا علاقاتي أكثر عمقا وعلى أكثر من صعيد مع جهات خارجية أكثر منها مع جهات عربية، أدعي أنها تربطني وإياها الكثير من أواصر الدين واللغة والرحم؟
لماذا تنمو العلاقات المغاربية الأوروبية بوتيرة أسرع وخطا أكثر رسوخا من تلك التي نشهدها بين تلك الكتلة العربية المغاربية وأي من شقيقاتها العربيات؟
وعلى نفس القدر من التحدي، ما الذي يدفع المواطن الخليجي، بسرعة أعلى وقوة أشد نحو الهند واليابان، من تلك القوى التي تشده نحو دول البحر الأبيض المتوسط العربية؟
هذه التساؤلات بحاجة إلى من يتوقف عندها كي يكون بوسعه ومن حقه أن يتصدى لأخرى أشد استفزازا، لكنه بالقدر ذاته تتطلب أكثر جراة وشجاعة قد لا نمتلكها نحن في هذه المرحلة
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2431 - السبت 02 مايو 2009م الموافق 07 جمادى الأولى 1430هـ