العدد 2428 - الأربعاء 29 أبريل 2009م الموافق 04 جمادى الأولى 1430هـ

تجارب بوليفار

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في صدى النداءات المحاذية لمنطقة الكاريبي تسمع بـ «سيمون خوريه أنطونيو دي لا سانتيسيما ترينيداد بوليفار إي بالاسيوس». ما يُميّز الاسم أنه ممتد في أربعة وثلاثين حرفا. لكن ميزته الأبرز أنه محفوظ في تاريخ تستدعيه شعوب أميركا الجنوبية صباح مساء.

قبل أيام أعْلِنَ عن فوز الرئيس رافاييل كوريّا في الانتخابات الأكوادورية. وهي ذات البلاد التي حرّرها ووحّدها سيمون بوليفار بمعية كل من كولومبيا وفنزويلا والبيرو وبوليفيا، التي سُمِّيت باسمه، ويتنفّس تاريخها عبر منخريه.

عندما فاز كوريّا سجّل له التاريخ الأكوادوري أنه الرئيس الوحيد الذي يفوز في الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى منذ ثلاثين عاما، و يأتي إلى السلطة مدعوما بنظام دستوري اشتراكي صُوِّتَ عليه في سبتمبر/ أيلول الماضي.

بلاده غيّرت سبعة رؤساء في بحر عشرة أعوام. الأمر الذي يعني أن فوزه يُشكّل استحواذا على نصيب اثنين من الرؤساء المُطاح بهم وهو سنة وأربعة أشهر فقط! وحين يُكمل ولايته القادمة فإنه سيستحوذ على نصيب ثلاثة من الرؤساء الباقين وزيادة أربعة أشهر.

هذه الانتخابات تبدو مهمّة جدا. فنتائجها ستُحدّد هوية الرئيس ونائبه، وأيضا 124 نائبا في البرلمان، و 221 رئيسا للبلديات، و1581 عضوا للمجالس البلدية. إنه منعطف سياسي خطير.

هنا يكمن السؤال: ما الذي جَعَلَ رافاييل كوريا يفوز؟ وما الذي جعله يحظى بنسبة فوز لم يحصل عليها أحد في بلاده طيلة الخمسين عاما الأخيرة. وبفارق كبير بين متطلبات الفوز ونتائجه؟

الموضوع بكلّ بساطة يكمن في التغيير. نعم التغيير. فحينما يُحسّ الناس أن رجلا يقودهم بتغيير أوضاعهم إلى الأفضل فإن النتيجة لا تحتاج إلى إبداع في قراءة النتائج والتوقعات بقدر ما تكون فهما لما تطمح إليه تلك الشعوب. لقد غيّر كوريّا أوضاع الأكوادوريين. ضاعف الإنفاق الحكومي ثلاث مرات وصوّبه نحو الصحة والتعليم. واشترى ثلاثين بالمئة من قروض الشعب الأكوادوري. ومَنَحَ النساء المُرمّلات ثلاثين دولارا في الشهر. ودعم طلبات الشراء العقارية للفقراء بنسبة خمسة وعشرين في المئة. ورغم هذا الإنفاق وضخّ السيولة إلاّ أن اقتصاد البلاد نما بنسبة 6 في المئة! إنها نتائج جيدة.

الأهم من كلّ ذلك، فقد حاكَى رافاييل كوريّا جزءا من القومية البوليفاريّة عندما دخل على خط الصراع القاري مع الولايات المتحدة الأميركية وطرد أحد دبلوماسيها. وقنّن الاستثمار الأجنبي في قطاع النفط، ورفض أن يدفع من خزينة الدولة ديونا خارجية تسبّب فيها فاسدون سابقون بقيمة ثلاثة مليارات دولار.

هو اليوم ينسج علاقات جديدة في القارة. ويُمالأ فنزويلا وكوبا في خصومتهم مع الغرب. ويُغلق قاعدة أميركية في بلاده. ويقفز صوب إيران ويقول إنها سوق جيدة. لقد أحسّ الأكوادوريون أنهم على الخريطة.

الرجل يبدو واقعيا. فهو وفي الوقت الذي يكون راديكاليا في وجه الليبرالية الغربية، إلاّ أنه سعى أيضا لأن يُقلّم من أظافر اليسار المتطرف داخل تياره. وبدا مُصرّا على إعطاء القطاع الخاص حصّة من سوق مناجم الذهب.

التجربة في أميركا اللاتينية ملفتة. وهي تعيد إنتاج أوضاع الدول بما يجب أن تكون عليه فعلا. ما يسترعي الانتباه هنا أمران. الأول: أن هذه الدول أثبت أن السياسيين هناك يستطيعون إدارة البلد حتى ولو كانوا طارئين على السلطة.

الثاني: أن هذه الدول رأت في ندّيتها للغرب مجالا لتقويم هويتها السياسية التي تتفق وسياقها التاريخي. وعندما قرّرت ذلك لم يجعلها دولا شحّاذة لا يستقيم عودها إلاّ بمساعدات أميركية يُقرّرها الكونغرس. وفي كلتا الحالتين تبدو الصورة معكوسة في دولنا العربية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2428 - الأربعاء 29 أبريل 2009م الموافق 04 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً