العدد 2428 - الأربعاء 29 أبريل 2009م الموافق 04 جمادى الأولى 1430هـ

مراجعة لقرار منع ندوة «وعد»

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

المنع الذي أصدرته وزارة الداخلية الأسبوع الماضي، فيما يتعلق بإقامة ندوة سياسية بعنوان «الأزمة السياسية بين الاحتقان والانفراج والحوار الوطني المفقود» كان من المقرر عقدها في قاعة فلسطين في جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد» وكان من المقرر أن يشارك فيها كل من الأمين العام للجمعية السيد إبراهيم شريف، والنائب البرلماني الشيخ حسن سلطان والأستاذ عبدالوهاب حسين، حيث يعد هذا المنع تراجعا واضحا وخطيرا يؤسس لمرحلة تتشابك فيها الإرادات في حالة من الضبابية والغموض.

الأطراف المعنية بهذا التطور التراجعي هي وزارة الداخلية، ومؤسسات المجتمع المدني، والرأي العام المحلي، ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، ووسائل الإعلام، والقانونيون والتشريعيون المضطلعون بالشأن المحلي.

جاء قرار المنع في وقت أثار حفيظة المراقبين والسياسيين والمعارضين على السواء، حيث الأيام الأولى من الهدوء النسبي في الشارع بعد موجة الاحتجاجات والمواجهات المناطقية، وبعد مرحلة من التردي الأمني الذي تركز في مناطق التوتر. هذا الهدوء جاء بعد عمليه الإفراج عن عدد من المعتقلين، حيث مهدت عملية الإفراجات لإمكان استئناف نشاطات سياسية، تصب مخرجاتها في سلة الحراك الوطني الذي يتشكل من ألوان الطيف المكون للبنية الاجتماعية والسياسية للبلاد.

وللوقوف على قرار المنع وتداعياته، فإنه يمكن معالجة هذه الحالة، أولا بتصور سيناريو متوقع، وعرض ثلاثة محاور «علاجية» لمنع وقوع هذا السيناريو بدء بالمحور القانوني، وآخر حقوقي والثالث سياسي.

السيناريو المتوقع، هو أن تعمد مؤسسات المجتمع المدني المضطلعة بالشأن العام، للاتفاق على مبدأ عدم تقديم الإخطارات في مثل هذه النشاطات، في حركة منها متوقعة للرد على تضييق الحريات السياسية التي لا تتناسب والمرحلة التي قطعتها هذه المؤسسات المجتمعية منذ تأسيسها في العام 2001. وذلك برغم وضوح منطوق المادة القانونية في المرسوم بقانون رقم 18 لسنة 1973 بشأن الاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات والتي استندت إليها الوزارة في قرار المنع. وهي المادة الثانية، الفقرة أ «يجب على من يريد تنظيم اجتماع عام أن يخطر عنه كتابة المدير العام للشرطة قبل عقد الاجتماع بثلاثة أيام على الأقل» وهناك شروط شكلية نصت عليها المادة الثالثة من نفس القانون.

في حين اعتمدت وزارة الداخلية على هذا المرسوم بقانون (18) الصادر في العام 1973، إلا أن هناك قانون رقم 32 لسنة 2006 صدر لتعديل بعض مواد أحكام ذلك المرسوم. وشملت التعديلات المادتين الثانية والثالثة، فإنه يلزم الاستناد إلى القانون الصادر في 2006م حيث إنه يشير إلى رئيس الأمن العام وليس لمدير الشرطة مثلا.

هذا السيناريو، هو الأسوء فيما يتوقع إمكان حصوله، لأن هذه الجمعيات تعمل بآليات ولوائح داخلية وتصويت ومناقشة واتخاذ قرارات تنبع من عملها السياسي في إطار استراتيجيات تصب في تطوير العمل السياسي في البلاد، ولا تعمل على تكريس حالات تراجع الحقوق والحريات.

أما المحاور العلاجية فهي:

أولا: المحور القانوني، ويمكن الإشارة فيه، إلى أن القانون رقم 32 الصادر في 20 يوليو/ تموز 2006 م قد لحقه التصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك في 12 أغسطس/ آب 2006م ومعلوم لدى المختصين أن هذا العهد يشير في المادة 2 الفقرة 2 منها إلى أن «تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذه الأعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية «وحيث أن المادة التي توجب الإخطار تنال من الحق الذي منحته المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي نصها «يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الأداب أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم».

هذا كله فضلا عن المواد الدستورية التي لا يجوز أن يؤخذ بما يخالفه من نصوص أو حيثيات أي مواد قانونية؛ حيث تشير المادة 28 من الدستور الفقرة ب منها إلى أن «الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب العامة «كما أن المادة 31 من الدستور تحمي من الوقوع في التعسف في صياغة المواد القانونية المنظمة إذ تشير المادة إلى أنه «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناء عليه، ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية « وبما أن الندوات كانت ومازالت تعقد بدون إخطار وهو الحق الذي أثبتته الممارسة على مدى الأعوام الماضية. فإنه لا ينبغي الركون إلى تفعيل مادة قانونية قد تجاوزها الزمن.

فوزارة الداخلية من جهتها ترى أن منع الندوة مستند إلى تلك المواد القانونية، ولكنها أغفلت العادات المرعية والعرف الجاري منذ العام 2001مـ وحتى صدور القانون في العام 2006مـ وما جرت عليه الوقائع منذ صدور القانون وحتى منع الندوة من إغفال تطبيق هاتين المادتين أو الاستناد إليها في منع مئات أو آلاف الندوات التي تقام في الجمعيات السياسية.

ثانيا: المحور الحقوقي، وهو يتمثل في أن الحكومة ما فتئت تروج وتعلن من خلال جهاتها المتصدية للإعلان عن أن البحرين تمثل في قوامها الحديث وسياستها العصرية أنها بلد يتمتع قاطنوه ومواطنوه بحرية التعبير والانفتاح الإعلامي، وتعدد وسائل التعبير عن الرأي في حدود القانون.

فإننا نؤكد على ضرورة الاستمرار في هذا الترويج والإعلان، ورفده بالالتزام بتطوير سلوك التنفيذين في التعاطي مع هذه القضايا في إطار واسع اتسعت له مواد الدستور، فالمادة 23 من الدستور تشير بوضوح إلى أن «حرية الرأي والبحث العلمي مكفوله، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون مع عدم المساس بأسس العقيدة ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية»

وما يشير إليه عنوان الندوة، لا يمس أسس العقيدة، ولا يثير الفرقة أو الطائفية، وإنما يتكون العنوان من كلمات هي أروع ما يجب أن تكون ندواتنا ولقاءاتنا حولها، الانفراج، الوطن والحوار. إلا إذا كنا نقر ونصر على أن الحوار في البلاد لن يكتب له أن يتحقق، لكونه في الأساس (حوار طرشان).

ثالثا: المحور السياسي، إذا كانت الندوة مما يثير الرأي العام فإن ما يكتب في الصحافة وما يقال في القنوات الفضائية والبرامج السياسية الجريئة يمكن أن يؤدي إلى نتائج أبلغ لكونه يصل إلى الآلاف من المشاهدين في البحرين وخارجها، في حين ندوة تعقد في مكان محدود ويحضرها بضع عشرات أو مئات لن يكون له ذات الأثر. وعليه فإن الأجدى بالمتصدين للمنع أن يمنعوا ما يتم في وسائل الإعلام ووسائطه في الحدود وخارجه.

وأكثر من ذلك، وهو أن المنع جاء بدرجة عالية من الانتقائية، حيث لم تمنع ندوات جمعية «وعد» على مدى النشاطات العامة والمعلنة للجمهور منذ أمد بعيد، حيث بلغت الندوات التي عقدتها الجمعية أكثر من 200 ندوة.

كما أن عددا من الندوات أقيمت قبلها بأيام وبعدها بأيام، لم يعرف أن منعا قد صدر من الجهات ذاتها، وهنا يجب ملاحظة الأسباب التي نتج عنها التردي الأمني قبل عام، أقل أو أكثر، وهي منع الاعتصامات والمسيرات غير المرخصة، وأدى ذلك إلى تراجع الحالة الأمنية، فإننا اليوم أمام محاولة رسمية للانحشار في عنق الزجاجة لا يعرف كيف السبيل إلى الخروج منه. وذلك بتعدي حالة التضييق الذي مورس على المسيرات والاعتصامات غير المرخصة، إلى التضييق على الندوات التي تقيمها جهات معروفة ومسجلة في السجلات الرسمية، ما قد يؤدي به هذا التضييق إلى تكرار حالات الاحتقان والاحتجاج والمواجهات التي ستعيدنا إلى الحالة الأمنية المتوترة.

فبالرجوع إلى السيناريو المحتمل تحققه، - فيما لو أصرت الجهات الرسمية على منهجها الذي اعتمدته قبل أسبوع - وبمراعاة محاور العلاج، فإن ما يتعين على السلطات القيام به، هو تجميد تفعيل المواد التي تفرض تقديم إخطار لهذا النوع من الندوات والاجتماعات، لكونها كانت ومازالت تمارس في كل مؤسسة سياسية تعنى بالشأن العام. ولكونها قد تجاوزها الزمن وذلك بانضمام البحرين للعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. كما أن جزءا كبيرا من ممارسة المجتمع في البحرين لا يتناسب في وقائعه اليومية، مع منع ندوة تقام لمدة ساعتين في جمعية معروفة، وشخوصها وطنيون مسئولون حرفيون قادرون على التعاطي مع هذا الحراك السياسي الحقوقي.

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 2428 - الأربعاء 29 أبريل 2009م الموافق 04 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً