العدد 2425 - الأحد 26 أبريل 2009م الموافق 01 جمادى الأولى 1430هـ

حينما تختلط مواسم العزاء بالمصالح... إبادة الأرمن مثالا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كلما نُفِضَ الغبار عن قضية «إبادة الأرمن» بدت الأمور مستوية على بداية لا تتقدّم. فالتمنّع التركي أمام تسجيل أيّة نقاط ضد أنقرة في ذلك الملف يُساوي في شراسته هولوكوست ثلاثينيات القرن المنصرف (اليهودي) مع الفارق.

الإشكال برمّته قد تحوّل إلى صيغة مُزعجة لأنقرة تتم دحرجتها بين زوايا العلاقات الدولية دخل فيها حلفاء تركيا ومُخالفوها. فالرئيس السابق جورج بوش استعمل الموضوع بقوّة بعد رفض البرلمان التركي استخدام قاعدة إنجرلك للهجوم على العراق، وهكذا فعلت لجنة الشئون الخارجية بالكونغرس الأميركي.

والفرنسيون شرّعوا في بداية العام 2006 قانونا يعاقب بالسجن كل من يُنكر إبادة الأرمن. وهكذا فَعَل أيضا القبارصة اليونانيون في العام 1982، والبرلمان الأوروبي في الثامن عشر من يونيو/ حزيران 1987 وكذلك فعلت كل من بلجيكا والأرجنتين والسويد وروسيا، الأمر الذي أثّر كثيرا على العلاقة الخارجية لتركيا مع المحيط الدولي.

بل الأكثر من ذلك، فقد سعت العديد من الدول الغربية إلى تمكين اللوبيات الأرمينية لأن تكون لها سطوة على مؤسسات الدولة في الغرب سواء التشريعية أو التجارية لممارسة المزيد من الضغوط على تركيا. واللوبي الأرميني في الولايات المتحدة مثالا على ذلك، وخصوصا سعيه لعرقلة العديد من الصفقات العسكرية مع تركيا.

بل إن الرئيس باراك أوباما اضطر إلى تقديم توضيح للوبي الأرميني في الولايات المتحدة بعد خطاب له تجنّب فيه أن يتلفظ بكلمة «إبادة» عندما تحدث عن أوضاع الأرمن داخل أراضي الإمبراطورية العثمانية.

وقد قال بالحرف في توضيحه «عبرت بوضوح عن رأيي الشخصي حول ما حدث في 1915 ورأيي في التاريخ لم يتغير. الأمر الذي مازال يهمني هو اعتراف كامل وصادق وعادل بالوقائع».


تاريخان متضادان

يقول الأرمن إن قوات الإمبراطورية العثمانية قامت بقتل مليون ونصف المليون أرمني بدءا من 24 إبريل/ نيسان من العام 1915 وترحيل من بقي منهم بسبب قيام الجاليات الأرمينية بنسج علاقات مع روسيا ومساعدتها في ضرب أطراف الدولة العثمانية.

أما الأتراك فإنهم يقولون إن هذه الأرقام غير دقيقة. فعدد الأرمن في كامل الأمبراطورية العثمانية لم يكن يتجاوز حينها المليونين وربع المليون نسمة. وأن سبعمئة ألف أرمني منهم هاجروا حينها إلى دول الجوار ودول أوروبية شمالية وأيضا إلى الولايات المتحدة الأميركية، وأن من تبقّى منهم لم يتجاوز الستمئة ألف أرمني.

وهي تخرج (أي تركيا) بحصيلة تُقدّر فيها من قُتلوا في ذلك العام بثلاثمئة ألف أرمني، جزء كبير منهم كان ملتحقا بالجيش الروسي فعلا. (راجع ما كتبه سيدي أحمد ولد أحمد سالم في ذلك المجال).


مخاوف تركيا

جزء من الموضوع مرتبط بأمور كنسية وضغط دولي لدفع تركيا نحو تقديم المزيد من تنازلات ثقافية وتاريخية. ورغم أن الموضوع قد حصل قبل مجيء الجمهورية الأتاتوركية بأكثر من تسعة أعوام إلاّ أن أنقرة لا تريد فتح هذا الملف مطلقا. لماذا؟

ترى تركيا في النموذج الألماني مشهدا مأساويا جدُّ قريب. فألمانيا التي تمّ تحميل النظام النازي فيها بقتل ستة ملايين يهودي في محارق الأفران باتت (ومنذ ستين عاما) تدفع مبلغا تعويضيا للكيان الصهيوني يزيد على الستة مليارات دولار كلّ عام.

وقد ظَهَرَ هذا جليا عندما أظهرت الحكومة الأرمينية إلحاحا في أنها ستطالب تركيا بدفع تعويضات سنوية تُقدّر بأربعة مليارات دولار!. وفي حال أقرّت أية حكومة تركية بالدعاوى الأرمينية في الإبادة فإنها ستكون مُلزمة بتقديم تلك التعويضات السنوية.

كذلك فإن أنقرة ستجد نفسها مُلزمة أيضا بترسيم حدود جديدة مع أرمينيا وخصوصا في المناطق التي كانت تتواجد فيها الجاليات كـ كاراكوس وأرتفن وكارس.

وعندما يحصل ذلك التعديل فإن تركيا ستخسر حدودا مهمة مع إيران يتم استخدامها اليوم لأغراض تجارية مهمّة أبرزها إيصال الغاز الإيراني المُسال إلى سويسرا التي تتسلّم دفعاته من على الأراضي التركية.

كذلك فإن تركيا ستخسر حدودا غاية في الأهمية مع جورجيا. فتركيا اليوم تمارس دورا رئيسيا في مجال الطاقة القزوينية التي ستأتيها من بحر قزوين إلى ميناء جيهان ومنها إلى أوروبا، وهو ما يعني خسارتها موقعا استراتيجيا ثمينا.

كذلك فإن الأتراك يرون أنفسهم جزءا تاريخيا مهما من تلك المنطقة التي تستوطنها شعوب مختلفة منذ مئات السنين. وهي تطمح اليوم في ممارسة دور متعدد الاتجاه يقضي بأن تكون متصدرة في أية تسويات تجري في تلك المنطقة.

وهو ما عبّر عنه رجب طيّب أردوغان عندما دخل على خط الصراع الروسي الجورجي الأخير، ودعوته تشكيل منظمة قوقازية تسعى إلى تسوية الصراعات في تلك المنطقة.

الأمر الجديد اليوم هو ما أعلنه الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان أن اعتراف أنقرة رسميا بإبادة الأرمن ليس شرطا لتطبيع العلاقات بين البلدين، وأن الاعتراف الدولي بجرائم إبادة الأرمن وإدانتها، تعتبر بالنسبة إلى الشعب الأرميني وجمهورية أرمينيا قضية استعادة للعدالة التاريخية. وهو موقف يبدو متقدما جدا أمام موقف القوميين الأرمينيين الذين هدّدوا لسحب وزرائهم الثلاثة من الحكومة.

وإذا ما صحّ هذا الأمر وأخذ جانب الجدية فإن الموضوع يحمل وجهين اثنين. الأول أن الملف ستتم تجزئته ما بين موضوع سياسي محاط بنظام مصالح مُحددة في منطقة القوقاز.

والثاني هو تاريخي سيُحال إلى ظروف الضغوط الدولية المُؤجّلة على تركيا وعلى موازين القوى في المنطقة. على أن يتم إبقاؤه مفتوحا واستدعائه في الوقت الذي يكون مُربحا لأرمينيا.

لكن الأكيد أيضا أن تصريح الرئيس الأرميني لا يُمكن له أن يستقيم والسياق التاريخي للقضية وائتلاف دول أوروبية عديدة في تبنيها، وبالتالي فهو لن يُشكّل منعطفا مهما في طريقة التعاطي مع هذا الملف، باعتبار أنه على حدود الدولة الأرمينية نفسها.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2425 - الأحد 26 أبريل 2009م الموافق 01 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً