العدد 2425 - الأحد 26 أبريل 2009م الموافق 01 جمادى الأولى 1430هـ

فوضى الانتخابات اللبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فوضى الانتخابات التي يعيشها لبنان يرجح أن تستمر إلى ما بعد 7 يونيو/ حزيران حين تظهر الأرقام وتتوزع المقاعد وتبدأ لعبة تشكيل الكتل النيابية وتعديل المواقع وتبديل التحالفات. فالانتخابات في بلاد الأرز تشبه كثيرا تكوين هذا البلد الائتلافي في تركيبه السكاني والطوائفي. وصورة التحالفات التي لم تستقر في هيئتها النهائية حتى الآن تكشف عن حالات قلق تؤرق المناطق والمذاهب والدوائر وتدفع الأطراف نحو قراءات متسرعة وحسابات خاطئة وانتصارات وهمية. فالأطياف مرتبكة في رؤية خريطة الطريق إلى درجة الاضطراب ما أدى إلى منازعات ضيقة رفعت من منسوب الإحباط لدى الأنصار والمريدين في فريق 14 آذار وفريق 8 آذار. حتى فريق المستقلين أخذ يبحث عن دور خاص في ظل نمو الفوضى الانتخابية التي أربكت التحالفات وبدأت بتهديد وحدة القوائم في 26 دائرة (قضاء).

الفوضى الانتخابية مسألة طبيعية تحصل في كل الدول إلا أن مشهدها في لبنان يتجاوز حدود بلاد الأرز باعتبار أن الساحة تعكس في نهاية المطاف جملة تحولات دولية ومتغيرات إقليمية. ولأن المرآة في هذا البلد الصغير لبنانية وغير لبنانية فإن حطامها يعكس في المدى القريب مجموعة توازنات متقلبة في محيطه الجغرافي وإطاره الجواري.

حتى الآن لم تستقر صورة المنطقة بعد مرور مئة يوم على عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما. وبسبب عدم وضوح الاستراتيجية الدولية الجديدة التي لاتزال في طور المرحلة الانتقالية يبدو المشهد الانتخابي في لبنان غير واضح المعالم ويشبه كثيرا طبيعة الفترة الرمادية. التقاطع الأميركي- الإيراني لم يستقر مثلا على صيغة واضحة ويرجح أن يبقى التجاذب بين موجة ساخنة وأخرى باردة إلى ما بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو المقبل. والتحالف الأميركي- الإسرائيلي يمر بدوره في حال من الجمود والمراجعة بعد استلام أقصى التطرف مقاليد السلطة في تل أبيب. كذلك العروض الأميركية التي تقدمها وفود الكونغرس إلى دمشق لم تتوضح نوعية بضاعتها حتى يمكن الحكم على مدى نجاحها في السوق.

هذه الفوضى الإقليمية في فترة انتقالية ضغطت بقوة على 8 و14 آذار وأربكت الحسابات الضيقة والقراءات المتسرعة. هناك الكثير من الاستنتاجات التي توصلت إليها أطراف 8 آذار تبين لاحقا أنها ليست دقيقة وفيها الكثير من المبالغات الفرضية والأمنيات الذاتية. وهناك الكثير من التحليلات السطحية التي توصلت إليها أطراف 14 آذار تبين أيضا أنها لا تقارب الواقع الإقليمي ولا التوجهات الدولية.

فوضى الانتخابات اللبنانية ناتجة أساسا من الفوضى الإقليمية وتبسيط المعادلة التي تمر بها الأطراف العربية والإسلامية في إطار مرحلة الانتقال الدولية. وبسبب تأخر الولايات المتحدة في حسم توجهاتها العامة في سياق الاتصال مع القوى الإقليمية أدى الأمر إلى ارتباك قوى 8 و14 آذار في تحديد رؤية واقعيه تقارب المتغيرات من دون السقوط في لغة الأوهام والتخيلات.

فريق 8 آذار مثلا بدأ جولته الانتخابية تحت سقف الانتصار التاريخي والهزيمة المطلقة للولايات المتحدة وأخذ يراجع الملفات الداخلية بناء على هذا المعطى الوهمي الذي يحتاج فعلا إلى أدلة دامغة وقرائن ملموسة لتثبيته وتأكيده. الآن باشر هذا الفريق يقرأ أوراق الملفات من زاوية مختلفة تأخذ في الاعتبار مجموعة سلوكيات دولية لا تتناسب كليا مع طموحات إيران الإقليمية ولا تنسجم مع فرضيات أطلقتها سورية بمناسبة تقاطر وفود الكونغرس الأميركي إلى دمشق. الفريق الموالي للمحور الإيراني- السوري اكتشف متأخرا أن المتغيرات حتى لو كانت صحيحة تحتاج إلى وقت للحكم على حجمها ونوعيتها ومداها الجغرافي والسياسي. وبسبب هذا الاكتشاف المتأخر بدأت لغة خطاب 8 آذار تتعدل وتتبدل ما انعكس سلبا على تحالفات أطرافه التي أخذت بمراجعة بعض حيثيات المقاعد في هذه الدائرة الانتخابية أو تلك.

فريق 14 آذار أيضا بدأ جولته الانتخابية في ضوء متغيرات أخذت تظهر في فضاءات المنطقة ودوائرها الإقليمية ما أعطى صورة غير دقيقة عن طبيعة تلك التحولات الدولية في العلاقات أو الاتصالات أو اللقاءات أو التقاطعات الأميركية- السورية أو الأميركية- الإيرانية. فالفضاءات الدولية- الإقليمية ضغطت نفسيا على قراءات 14 آذار فسارعت إلى تبني استنتاجات لم تتوضح معالمها حتى الآن وتحتاج إلى وقت لتستقر على قاعدة سياسية مخالفة للفترة الأميركية السابقة.


قراءات متسرعة

غموض المرحلة الانتقالية ساهم في رفع درجة الاستنفار الانتخابي وأشاع حالات من الفوضى في التحالفات وخصوصا في الدوائر المختلطة. فكل فريق يريد تحسين مواقعه من حساب الفريق الآخر. وبما أن القوى منشطرة مذهبيا وطائفيا وموزعة مناطقيا على جبهتين سياسيتين اتجهت التنافسات إلى انتزاع مقاعد إضافية من حصة الفريق الحليف. فالخلاف الذي بدأ بين كتلتين (8 ضد 14) انتقل إلى تجاذب داخلي في إطار الكتلة الواحدة فأصبحت 8 ضد 8 و14ضد14ما رفع من نسبة الإحباط ودفع البعض إلى التهديد بالمقاطعة أو الاستنكاف عن ممارسة السياسة.

وليد جنبلاط أبدى عتبه على «الفريق المسيحي» في 14 آذار وأعاد تذكير الحلفاء بأصوله اليسارية وعروبته والتزامه بالقضية الفلسطينية وإعجابه بالمقاومة وهدد بمغادرة القطار وركوب قافلة أخرى بعد الانتهاء من محطة 7 يونيو.

ميشال عون أبدى انزعاجه من «حليف حليفه» وأعاد تذكير نبيه بري أنه يشكل مظلة مسيحية لا غنى عنها وتحتاجها المقاومة لتحسين صورتها السياسية في مرحلة الانفتاح على أوروبا وأميركا. ولولا حكمة حزب الله وتنازلاته المستمرة لإرضاء الجنرال الطامح إلى تشكيل أكبر كتلة برلمانية منفردة لكانت 8 آذار أصبحت في خبر كان.

التضارب بين الحلفاء مسألة متوقعة في بلد صغير شديد التعقيد في تضاريسه الطبيعية والسكانية. إلا أن ما يضيف على تنافس التكتلات المحلية درجة أعلى من الحرارة الانتخابية عدم وضوح صورة الفضاء الإقليمي وغموض معالم التوجهات الأميركية في عهد أوباما. سورية مثلا لا تزال تنتظر دورها في القاعة الدولية ولم تتلق إشارة واضحة من الولايات المتحدة بشأن موقعها ودورها ووظيفتها في المرحلة المقبلة. إيران أيضا التي راهنت كثيرا على الفشل الأميركي وأسست مجموعة قناعات على نظرية حاجة واشنطن إليها وأبدت استعدادها للمساعدة في ملفات تمتد من باكستان إلى السودان لاتزال تعيش في ظل قراءات قد تكون سطحية ومتسرعة في رؤيتها وحساباتها.

كل هذا الغموض الدولي- الإقليمي في المرحلة الانتقالية انعكس توترات سياسية بين الحلفاء والأصدقاء في الفريق الواحد ما أدى إلى توسيع مجال الفوضى في مسرح الانتخابات اللبنانية. فهناك الكثير من الأوهام التي تأسست على فرضيات الانتصار أو الهزيمة ساهمت القراءات «الآذرية» من 8 و14 في تضخيمها إلى درجة تصديقها والسقوط في شباكها قبل أن تتوضح معالم الطريق وتوضع الإشارات الحمر والصفر والخضر على مفترقاته وزواياه الحادة. الآن كما يبدو أخذت الأطراف تلاحظ أن المتغيرات ليست سهلة وهي في حال حصلت لن تكون كبيرة وسريعة كما ظهرت في أوضاع معينة. والتحولات كذلك ليست بالضرورة حادة في منعطفاتها لأن الدول الكبرى تعدل الزوايا تجنبا للكوارث ولكنها لا تنقلب على مصالحها الإستراتيجية. وأميركا في هذا المعنى ليست مضطرة إلى تقديم هدايا وضحايا إذا كانت قادرة على إعادة الإمساك بالعصا من الوسط. المسألة إذا لاتزال في بداياتها والخط البياني الدولي غير متقارب جدا مع الحسابات الإقليمية. وبسبب هذا الغموض اندفعت الفضاءات الانتخابية في لبنان إلى فوضى في القراءات والاستنتاجات والتحالفات وأحيانا اختلطت الأوراق في بعض الدوائر.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2425 - الأحد 26 أبريل 2009م الموافق 01 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً