اسمها «مدينة نموذجية» ويلاحظه العابر في صدر مدخليها الوحيدين، وكلمة «أنموذج» دلالة على أنها متكاملة من جميع النواحي ولا تنقصها أية خدمات ضرورية يحتاجها من حل فيها، بينما هي في الحقيقة تفتقر إلى الكثير من المرافق الملحة، فإذا مرض أحد ساكنيها أو تعرض لجرح بسيط، لا يمكنه أن يحصل على الضمادات والأدوية من أقرب صيدلية، وإذا اتسخت ثوب أو انسكب عصير على السجاد، ليس هناك محل لتنظيف الملابس قادر على أن يعيد إليها شيئا من رونقها أو يحفظ لها لونها الأساسي.
بُنيت على نفقة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في موقف نبيل من دولة الإمارات العربية المتحدة لمساعدة البحرين على التخفيف من قوائم الانتظار الطويلة، بينما هي اليوم فسحة يتجول في غرف بيوتها اللصوص كيفما يشاءون، تحت أشعة الشمس أو في كبد الليل، لمَ لا ومصابيح الإنارة التي كانت تضيء ممراتها وأحياءها إما انتهى عمرها الافتراضي ولم يتم استبدالها أو تعرضت للعبث، فيما يقف رجل أمن وحيدا في مركز شرطة متنامي الاتساع ليضبط إيقاع السلم الاجتماعي فيها.
مدينة زايد كانت حلما للكثيرين من البسطاء ومحدودي الدخل ممن شهدوا عملية ولادتها في العام 2003، ولكنها اليوم أصبحت بالنسبة لهم كابوسا مزعجا يتمنون أن يصحوا منه قبل أن يُكبدهم المزيد من المعاناة، وهم الذين يتلقون لدغات الحشرات المهاجرة من هورة عالي بمختلف أنواعها، وتزورهم القوارض والأفاعي في مختلف مواسم هجرتها، ويضطرون إلى المغادرة في صباح كل يوم إلى مدينة عيسى والمناطق المجاورة لإيصال أبنائهم وبناتهم إلى المدارس أو للعلاج.
أما الحديقة التي من المفترض أن تكون متنفسا لأطفالها في عطلة نهاية الأسبوع والفترة المسائية، فإنها بحاجة إلى مسعف يبث فيها الحياة، والبلدية على رغم إسهامها الكبير في تطوير وإنشاء الكثير من الحدائق والمضامير وزراعة المسطحات الخضراء، إلا أنها لا تملك الصلاحية الكافية لإجراء أي تعديل في وضع الحديقة، لأن المدينة بأكملها في عهدة وزارتي الإسكان والأشغال.
المجلس البلدي بالمنطقة الوسطى لديه الكثير من الأفكار التطويرية والمشروعات الخدمية التي يرغب في تطبيقها على أرض الواقع، وما ينقصه هو توجيه رسمي من أعلى المستويات في الدولة، يقضي بنقل مسئولية الإشراف على خدمات المدينة إليه، حتى يتسنى له ترجمة طموحات الأهالي إلى أفعال ملموسة.
وكنا سنتجنب الكثير من هذا الحديث، لو أن هذه المدينة الصغيرة خططت أساسا بطريقة ممنهجة صحيحة بعد دراسة جميع الاحتياجات، بدءا من السوق والمحلات التجارية والمساجد والمستشفيات والمدارس، فلا يعقل أن تستغل مساحة المشروع لإنشاء الوحدات من دون ترك بعض الفراغات هنا وهناك، لجعل المدينة قابلة للسكن بلا منغصات.
المواطن يرفض تقبل مشروعات الشقق السكنية التي تقام في مناطق متفرقة من البحرين وتحاول وزارة الإسكان أن تقنعه بسعتها وتوافر سبل الراحة فيها، وربما لن يقتنع أيضا بأنه سيجد ضالته في الوحدات السكنية، وهو يرى أن مدنا نموذجية تعاني من القصور.
المسألة برمتها بحاجة إلى وقفة حكومية صادقة، فأهالي مدينة زايد يؤدون صلاتهم في كبائن من صفيح، والمسجد الذي يأملون أن يجمعهم، لم تكتمل أعماله الإنشائية بعد، وأصابهم اليأس من طرق أبواب الصحف ومناشدة ممثلهم البرلماني والبلدي لتلبية شيء من حقوقهم المنصوص عليها في الدستور، ولا يستطيعون مغادرة مساكنهم إلى مناطق أخرى لأنه لا يمكنهم أن يبيعوا منازلهم، وفي الوقت ذاته لا يحتملون الجلوس على قارعة الانتظار، و لاشك أن عدم الاستقرار النفسي الناتج عن فقدان الأمن والطمأنينة، يؤثران على أدائهم لشئون حياتهم اليومية
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2424 - السبت 25 أبريل 2009م الموافق 29 ربيع الثاني 1430هـ