العدد 2421 - الأربعاء 22 أبريل 2009م الموافق 26 ربيع الثاني 1430هـ

ديربان2... جبنة الحقوق تسرقها فئران السياسة

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

مؤتمر ديربان 2 الذي اختتم أعماله في جنيف أمس، هو النسخة الثانية من ديربان 1 الذي مضى على انعقاده 8 سنوات والذي انعقد في جنوب إفريقيا، وسمي المؤتمر بديربان نسبة للمدينة الجنوب إفريقية التي احتضنت أعماله في سبتمبر/ أيلول 2001.

الكلمة المفتاح في هذا المقال هي «العنصرية» وهي مفردة مقرفة على إطلاقها، وهي مفردة لا تحمل وجهين كما هو حال مفردات كثيرة، تعتبر محببة أو اعتيادية عندما تأتي في سياق خيرٍ ونبيل، ويمكن اعتبارها مقرفة أو كريهة عندما تأتي في سياق الشر ...

فالعنصرية بما تنطوي عليه من مدلولات وإيحاءات، لا يمكن توظيفها إلا في الإطار الذي تتزاحم فيه مفردات من قبيل الظلم، الجور والاعتداء والتمييز والتصنيف الممنهج كسلوك بشري والنازية والصهيونية كأيديولوجيات.

وعندما نعود إلى بدايات التاريخ البشري، نجد أن العنصرية تحتل موقعا متقدما في المجتمع الإنساني، بما تفرضه عليه العقد النفسية والانحرافات الأخلاقية في حدود التعاملات بين البشر والبشر. البشر «العنصريون» والبشر «ضحايا الممارسات العنصري».

البشر الذين ينظرون لأنفسهم بعين التمجيد والتفوق وللآخر بعين التحقير والدونية، ما يجعل اللون واللغة والدين والعرق، والطبقة، والأصل الإثني، والقبيلة والقومية وغيرها من تصنيفات كثيرة، محفزا على إعمال آلة التصنيف البغيض المفضي لتفعيل مشاعر التمييز، وبالتالي إيقاع فعل التمييز على الأرض في التعاملات بين البشر.

ولكن عندما نرجع إلى تراث الحكمة البشرية، فضلا عن ما دعت إليه الأديان السماوية برمتها، نجد أن الإصرار على نبذ أصل الشعور - مجرد الشعور - بالفوقية والتمايز قد تم التأسيس له، قبل استهجان ممارسة التعامل مع الآخر من منطلق الفوقية والأفضلية. وهذه الخاصية في الأديان والتراث الحكمي البشري، تعتبر من أوسع وأكبر المبادئ التي كرستها الأديان السماوية وإفرازاتها الحكمة البشرية، فهذا الإمام علي بن أبي طالب يوصينا بـ «الناس اثنان إما أخ لك في الدين أو شريك لك في الخلق».

وعندما نعود إلى نتاج الجهد البشري الحديث، الذي تشكل بحكم تشكل المنظمة العالمية «منظمة الأمم المتحدة» بمؤسساتها، نجد أن جهدا إنسانيا راقيا قد أحتل مكانا مهما بعناوين وألقاب كإعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (نوفمبر/ تشرين الثاني 1963 م)، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (ديسمبر/ كانون الأول 1965 م) وإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد (نوفمبر 1981م) وبعد عشرين عاما أتى ديربان 1 من قعر دار النظام العنصري البائد في جنوب إفريقيا ليقف العالم بأسره من خلال بيته الكبير الأمم المتحدة، ليضع التمييزالعنصري على طاولة البحث العملي للخروج برؤية عالمية لمناهضة التمييز العنصري بين البشر بكل تلاوينهم وأصولهم وأديانهم وإثنياتهم وطبقاتهم.

وهنا لا بد من الإشارة إلى الصراع الأزلي، بين مبادئ الحقوق الإنسانية، وأدوات السياسة ومعاولها، فهو صراع على أزليته، فج وخطير يرتكز بعض البشر فيه ضد بعض البشر، وكل من الحقوق والسياسة تعمد إلى اعتماد مفهوم الأمن كمحدد لانطلاقتهما وهدفا لها.

فحقوق الإنسان بكل مبادئه يعمد إلى الحفاظ على الأمن البشري من خلال محاربة التمييز بين البشر، والسياسة بكل أدواتها تعمد إلى توظيف مفهوم الأمن من خلال الحفاظ على النظام العام «النظام السياسي».

ولكن الخيط الرفيع الذي يربط بين هذين الأمنين، يربك أهداف تلك المبادئ الحقوقية كما يربك تلك الأدوات السياسية في أداء الأدوار المنوطه بكل منهما.

وقد تجلت في ديربان 1 وديربان 2 حقيقة هذا الصراع، وكشفت عن أثر ذلك الخيط الرفيع الذي أربك الديربانين الجنوب إفريقي في 2001 والجنيفي في 2009. حيث غلبت التحالفات السياسية من خلال الأدوات والمعاول لديها، على مبادئ حقوقية صرفة تبحث عن من ينقلها من طيات العهود والمواثيق والإعلانات العالمية المكتوبة والمطبوعة والمتداولة، إلى ممارسات على الأرض تنعكس على بني البشر وتسهم في تقطيع أوصال ممارسات التمييز العنصري البغيض في بداية الألفية الثالثة.

فالأمم المتحدة، «إسرائيل»، الولايات المتحدة الأميركية، دول الاتحاد الأوروبي، إيران وقضية الشرق الأوسط فلسطين المحتلة لم تغب عن مؤتمر ديربان 1 و 2 واحتلت جميعها مواقع متقدمة من مفاعيل مؤتمري ديربان، في سيناريو يمكن اختزاله في إصرارين متناقضين، تمثل الإصرار الأول في منهج الرفض الإيراني لتغييب عنصرية الصهيونية من مشهد الحوار العالمي. والداعي للتسليم بأن الصهيونية تمارس العنصرية بأجلي صورة، بينما تمثل الإصرار الثاني من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية الحلفاء الاستراتيجيون لـ «أسرائيل»، في موقف مدافع عن الصهيونية، وذلك برفض التصريح أو التلميح بعنصريتها.

في حين خرج العالم بعد 55 عاما منذ الإعلان العالمي الأول للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في 1963 وحتى ديربان 2 الحالي 2009 بمخرجات صراع «حقوقي سياسي» منع الاقتراب من أدنى مؤشر على تحقق اطمئنان بشري لإمكان التمتع بتدشين أول خطوة في السير على طريق محاربة العنصرية البغيضة.

ومن هنا يمكن إدراك أن جبنة الحقوق التي عمدت فئران السياسة إلى سرقتها في ديربان 1 و 2 من خلال الاعتراض على اعتقاد أو تقييم أو تفسير أو تحليل أو رأي يوجه إلى أن الصهيونية تمارس التمييز العنصري، فإننا في انتظار أكل هذه فئران السياسة للجبنة الحقوقية وذلك عندما نصل إلى مرحلة رفضها لمحاسبة أو الكشف عن أو إدانة من يمارس التمييز العنصري.

وهنا تبرز أمامنا تساؤلات جوهرية، ما حدود العلاقة بين السياسة الخارجية للدول الديمقراطية الغربية والأخلاق؟ وما مدى حجم التضارب بين المصالح الغربية ومبادئ حقوق الإنسان وخصوصا المسئولية الملقاة على عاتقها فيما يتعلق بالقضاء على التمييز العنصري؟ هل أن البون شاسع إلى هذا الحد بين مفاهيم المبادئ الإنسانية المعلنة بمواثيق ومعاهدات دولية وبين صانعي القرار في السياسة الخارجية الغربية؟

يحق لنا الاعتقاد بأن الأزمة بين الجبنة الحقوقية وفئران السياسة ستستمر ما دامت فرص الإفلات متاحة وقائمة بين البشر.

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 2421 - الأربعاء 22 أبريل 2009م الموافق 26 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً