أفرزت الحرب على العراق الكثير من المعطيات والوقائع الجديدة، بعضها داخلي تظل تأثيراته وانعكاساته في الداخل العراقي، أما بعضها الآخر فقد تصل بآثارها ونتائجها الى ما بعد الحدود الجغرافية للبلد.
ومن أبرز هذه الافرازات المستجدة ما قد يحصل من تغير وانقلاب في موازين القوى السياسية ومعادلة الحكم والسلطة التي باتت واضحة أنها تميل الى صالح الفئة الأكبر حجما وعددا في النسيج الاجتماعي في العراق، وأعني بذلك الطائفة الشيعية وامكان هيمنتها السياسية على الجزء الأكبر من ميدانها ومساحتها في الفترة المقبلة ما أدى الى إثارة الكثير من الهواجس والمخاوف الكبيرة لدى دول الجوار وتحديدا الخليجية منها، ان كان على الصعيد الرسمي او الشعبي، وهي في جانب منها لها ما يعللها، لكن في جوانب أخرى تفتقد المبررات الواضحة.
هذا الهاجس هو ما يهيمن الحديث والتعليق عليه هنا لا من منطلق الإثارة الطائفية بل من أجل الوصول الى رؤية ايجابية عملية تسهم في توضيح الواقع ومن ثم إزالة هذه الإثارات ونقضها.
قد يتجلى هذا التخوف الخليجي في تصور استفادة شيعية الخليج من هذه التطورات واستثمارها لصالحهم في المنطقة من قبيل الشروع في حركة احتجاج وعصيان ربما تصل الى درجة التطرف العسكري لتحقيق مغانم ومكاسب سياسية واقتصادية أسوة بإخوتهم العراقيين ومن قبلهم ما ناله الشيعة في ايران ولبنان.
العراق والخليج... اختلاف الوضع
على رغم التلاصق الجغرافي لجنوب العراق الشيعي مع أقرانهم في ساحل الخليج العربي، وأثره الكبير في تداخل وتواصل هذين الوجودين الشيعيين، بل حتى نشوء علاقات القربى والروابط العائلية في الكثير من الأحيان، فضلا عن التأثير الفكري والثقافي فيما بينهم، مع هذا كله فإن الظروف والاوضاع تختلف اختلافا جذريا وكاملا في المنطقتين إذ ان جميع العوامل والاسباب التي تعطي كامل الحق للغالبية الشيعة في بلاد الرافدين في تغليب ورجحان كفة نصيبهم وحصتهم من الحكم في بلدهم وإدارة شئونها السياسية وخصوصا اذا ما أخذنا في الاعتبار ذلك الحرمان الطويل الذي مورس بحقهم خلال القرن الميلادي الماضي، لا يمكن تطبيقها على الواقع الخليجي، فهي تنتفي هنا وتصبح الموازين والحسابات متناقضة تماما، وهذا ما يعيه أبناء التشيع في السعودية والكويت وقطر والامارات ويدركونه ويتجسد هذا الوعي والادراك في طبيعة تعاملهم وتعاطيهم مع الشأن السياسي والأمني والاجتماعي المحيط بهم.
ومن باب المثال فإن شيعة السعودية يعرفون أنهم يشكلون أقلية لا تتجاوز ربع السكان في أحسن التقادير من المواطنين الاصليين فيها ويعرفون ايضا ان مواقع وجودهم وكثافتهم محصورة في الجزء الشرقي من البلاد عدا القليل منهم في الغرب والجنوب، ما ترتب على هذا الفهم والمعرفة استعدادهم النفسي وقناعتهم بالجزء المتيسر والمستحق لهم بمقدار نسبتهم سواء في المشاركة السياسية او في نيل الحقوق المدنية والمادية فيما لو تحقق هذا المستوى البسيط وتم انجازه على أرض الواقع.
الوطن الأكبر... خيار الشيعة
طبعا لا يخفى ما يثار منذ فترة عن مشروعات اميركية وخطط لديها - أصبحت مصدر قلق وعامل تهديد جدي في ايامنا هذه أكثر من أي وقت مضى - لتقسيم وتمزيق بلاد الحرمين إلى مناطق ودويلات عدة من ضمنها انشاء دولة مستقلة في شرقها واستغلال الكثافة الغالبية الشيعية فيها واستغلال شعورها بالتمييز الطائفي الممارس ضدها من أجل اثارة هذه المشاعر وإذكاء روح الرغبة في الاستقلال والانفصال عن الكيان السعودي العام وبالتالي تحقيق الهدف المنشود في التفتيت والتمزيق لتسهيل حفظ مصالحها الاستراتيجية.
وأنا عبر هذه السطور ومن منطلق كوني من أبناء الطائفة ومن المنتمين الاصليين إلى هذا الوطن، أعتقد جازما عدم وجود، ممن هو في موقع المسئولية والتصدي على صعيد الساحة الجماهيرية الشيعية في السعودية، ومن هو صاحب كلمة مسموعة ونافذة من ابناء الطائفة عند أصحب القرار الرسمي السعودي، من يرغب او حتى يميل إلى هذه التوجه وهذه النظرية القادمة من ضغوط الاجنبي وهيمنته ووصايته.
وما يعضد كلامي هذا عدم اطلاعنا ولحد كتابة هذه الكلمات على أي رأي مكتوب أو تصريح مذاع حتى من اولئك المحسوبين على المعارضة المقيمة في خارج البلاد من اتباع المذهب الشيعي ما ينص أو يفهم منه التبني أو الموافقة على هذا الطرح الانفصالي.
المساواة تكريس للوطنية
لكن ما اكدته وجزمت به لا يلغي ذلك الشعور المتعاظم عند معظم المواطنين الشيعة في بعض مناطق الخليج بالنقص والحرمان من ابسط حقوقهم المعيشية والحياتية فضلا من الدينية منها والسياسية، بل حتى الاحساس بعدم اعتبارهم في المرتبة والدرجة نفسها من المواطنة مع بقية شرائح المجتمع وتياراته المذهبية الاخرى، وذلك لما يمارس بحقهم من سياسات وقرارات يغلب عليها طابع التهميش والاقصاء او التصنيف والتمييز في المعاملة وتوفير الفرص لهم لتبوؤ المسئوليات والمناصب الرسمية حتى ما قل وصغر شأنها مثل منصب إدارة مدرسة حكومية أو مرتبة وكيل فيها! هذا غير ما يعانونه من ضعف وخلل واضحين على المستوى الاقتصادي والمعيشي في مناطقهم.
واذا كان هناك من تخوف من استغلال البعض لهذه المشاعر في إثارتها وتجييشها لصالح أي توجه بالتمرد والرفض الذي يتخذ اسلوب العنف او حتى انتهاج مبدأ الانفصال والترويج له - لا سمح الله - فلقطع الطريق على هذا كله، من المهم والمجدي كثيرا وفي هذه الظروف والمعطيات الجديدة التي فرضت علينا جميعا حكومات وشعوبا ان يتم التعامل بروح من الايجابية والشفافية مع السعي الحقوقي لأبناء الطائفة الجعفرية الهادف إلى نيل مطالبهم وحقوقهم المشروعة، وان يترجم ذلك وفي أقرب فترة زمنية ممكنة إلى واقع حياتي يعايشه الفرد الشيعي لكي يسترد اولا شعوره بالمواطنة الكاملة ومن اجل تعميق وتكريس روح المحبة والولاء لبلده واخوته الاخرين في المجتمع نفسه، ومن ثم اندفاعه الذاتي الصادق في الدفاع عن كل شبر في الوطن امام اي اعتداء خارجي آثم والسعي المخلص في الحفاظ على وحدته وتماسكه وبالتالي افشال جميع المشروعات المستوردة في التجزئة والتقسيم
العدد 242 - الإثنين 05 مايو 2003م الموافق 03 ربيع الاول 1424هـ