العدد 2415 - الخميس 16 أبريل 2009م الموافق 20 ربيع الثاني 1430هـ

قراصنة البحر الأحمر (1-2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من جديد تطفو قضية القرصنة على سطح مسرح الصراعات الدولية، حيث أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية، قبل يومين عن إحباطها عملية قرصنة، قامت إثرها باعتقال من أطلقت عليهم 11 قرصانا صوماليا، كانوا ينفذون هجوما ضد سفينة تجارية في المحيط الهندي، ترفع علم ليبيريا.

يأتي ذلك مترافقا مع إعلان السلطات اليونانية أن قراصنة صوماليين أفرجوا الأربعاء الماضي عن سفينة شحن يونانية كانوا يحتجزونها. وقبل ذلك بيومين استولى قراصنة صوماليون على سفينة الشحن اللبنانية «سي هورس». وكما هو معروف، فقد مدد مجلس الأمن الدولي، في اجتماعاته التي عقدها في مطلع ديسمبر/ كانون الثاني 2008، تفويضه للدول باستخدام القوة العسكرية ضد القراصنة الذين ينشطون قبالة سواحل الصومال والذين يعطلون أحد أهم ممرات الشحن في العالم. كما تبنى المجلس الذي يضم 15 دولة بالإجماع المسوّدة التي صاغتها الولايات المتحدة والتي تمدد لمدة عام الحق الممنوح للدول بإجازة من الحكومة الصومالية الانتقالية لدخول المياه الصومالية لتعقب ومهاجمة القراصنة».

ولم يتخلف الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما عن الركب فوجدناه يعرب عن فرحته الشديدة لإنقاذ القبطان الأميركي «من أيدي قراصنة صوماليين كانوا يحتجزونه في عرض البحر»، ولم يتردد في الدعوة إلى «بذل جهود لمكافحة القرصنة البحرية».

مقابل ذلك نقرأ تهديدا من قبل زعيم إحدى مجموعات القراصنة الصوماليين بالانتقام من مقتل ثلاثة من العاملين تحت إمرته خلال عملية إنقاذ الربان الأميركي ريتشارد فيليبس، باستهداف الأميركيين.

لقد أصبحت القرصنة البحرية التي نسمع عنها اليوم، واحدة من أهم المشكلات البحرية الملاحية ذات الطابع العنيف التي تواجه العالم بأجمعه حتى هذه اللحظة. مسلسل طويل لم تتوقف أحداثه منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، على أقل تقدير.

ودون الحاجة للدخول في تفاصيل القبول بتصنيف ما يجري في البحر الأحمر اليوم من عمليات قرصنة أم أنها خلاف ذلك، لابد من الاعتراف بأن عمليات الاعتداء على السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر والمحيط الهندي قد شهدت تناميا ملحوظا خلال تلك الفترة من جهود، وإن ما يجري من اعتداءات عسكرية على تلك السفن، ليس هناك ما يبررها، بغض النظر عما تسوقه القوات التي تقف وراءها من مبررات. بالقدر ذاته، لا تشكل الإجراءات وردود الفعل الأوروبية، وعلى وجه الخصوص الأميركية منها، الرد الصائب، ولا حتى المناسب الذي من شأنه أن يوقف الظاهر، أو يحد من تناميها، على المدى القصير كحد أدنى.

فوفقا لمعلومات صادرة عن المكتب الدولي للملاحة البحرية، نقلها موقع الجزيرة كان هناك «61 وفي رواية أخرى 67 هجوما للقراصنة سجلت منذ مطلع العام 2008، منها 26 سفينة مختطفة، وإن المختطفين كانوا يحتجزون بداية أكتوبر/ تشرين الأول 2008 نحو 12 سفينة و250 بحارا من بينها واحدة أوكرانية تحمل 33 دبابة وعليها طاقم من عشرين بحارا». وتشير تقارير أخرى صادرة عن المكتب ذاته، نقلها موقع مجلة «السياسة الدولية» المصرية إلى أن «ظاهرة القرصنة البحرية ارتفعت بنسبة 10 في المئة خلال العام الماضي، وهي أكبر نسبة منذ العام 2003، حيث تم تسجيل 263 هجوما على السفن في عرض البحر حول العالم».

ليس من المستغرب أن يكون البحر الأحمر، وتحديدا خليج عدن، المسرح الرئيسي لهذه العمليات، الذي يعتبر، وبفضل وجود قناة السويس، واحدا من أهم طرق الملاحة البحرية في العالم. وتشير التقديرات العالمية إلى أن هناك ما بين 16 ألفا و20 ألف سفينة تعبره سنويا، ناهيك عن ما يربو على 30 في المئة من الملاحة النفطية العالمية. يضاف إلى ذلك كونه، إلى حد بعيد، الطريق شبه الوحيد بين روسيا والدول المطلة على البحر الأسود إلى غرب إفريقيا وشرق وجنوب شرق آسيا.

ولكي نستطيع أن نميز بين ما هو قرصنة وغير قرصنة، يمكننا الاستعانة بتعريف القرصنة كما نقله موقع كلية الملك خالد (السعودية) والذي يعتبر القرصنة «الجرائم أو الأعمال العدائية، والسلب أو العنف المرتكبان في البحر ضد سفينة ما، أو طاقمها، أو حمولتها».

ويثبت الموقع في جردة تاريخية تفصيلية أن القرصنة تغوص عميقا في تاريخ المجتمعات البشرية، حيث انتشرت «في البحر الأبيض المتوسط في الألف الثالث قبل الميلاد، وفي أثناء نمو التجارة البحرية المكثفة بين مصر وجزيرة كريت وفينيقيا، ثم جاء بعد ذلك دور مصر الفرعونية، ولأول مرة في التاريخ، تجهز أسطولا حربيا صغيرا للصراع ضد القراصنة الذين ينهبون سفن البحر الأبيض المتوسط ومدنه».

أما محمد رفعت عبدالعزيز، من جامعة عين شمس، فبدلا من استعراض تاريخ القرصنة ونشأتها، نراه يحاول أن يستكشف أسبابها، فيرجع انتشارها إلى مجموعة من العوامل من أهمها، «الظروف الاقتصادية والمعيشية السيئة في بعض الدول الساحلية لدرجة أن يتحوّل معها بعض الصيادين إلى قراصنة. ومع سهولة ترويج المنهوبات في ظل انفلات أمني داخلي وصمت خارجي، يتشجع مزيد من العاطلين على ركوب المغامرة، أو من جراء ازدهار حركة النقل البحري في بحار مفتوحة من دون مراقبة، وتسجيل مفتوح للسفن في بعض الدول دون مواربة، مما يشجع على انتشار الظاهرة، وخصوصا مع ضعف الإجراءات الأمنية في بعض الموانئ، وضعف التشريعات والإجراءات والعقوبات. كما أن نجاح أغلب عمليات القرصنة شجّع على تكوين عصابات منظمة من عسكريين سابقين ومن المليشيات العسكرية العاملة على الأرض».

ويعتبر عبدالعزيز أن منطقة القرن الإفريقي وخليج عدن ساحة مثالية تلائم مثل هذه العمليات لما «تنفرد بطول شواطئها، وطول حربها الأهلية». وكأي فعل، من الطبيعي أن يكون له رد فعل يحاول أن يلجم هذه الظاهرة ويقلص نتائجها. ولعل في مبادرة صحيفة «التايمز» اللندنية بإثارة السؤال حول القرصنة في خليج عدن الكثير من مساعي تحديد حجم الظاهرة، والحيز الذي تحتله من حيث تأثيراتها العالمية، نجد «التايمز» تستفسر عن «عدد السفن الدولية التي يمكن حشدها في خليج عدن لردع أعمال القرصنة هناك، وكيف يحدث ذلك مع كل هذا التركيز الدولي على مكافحة القرصنة؟».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2415 - الخميس 16 أبريل 2009م الموافق 20 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً