العدد 2412 - الإثنين 13 أبريل 2009م الموافق 17 ربيع الثاني 1430هـ

مدلولات العفو الملكي

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جاء العفو الملكي عن الموقوفين السياسيين في وقته المناسب ليعبر عن حكمة القائد وبُعد نظره السياسي. فقد عوّد جلالته أبناء شعبه بمبادراته التاريخية لكون القيادة المقتدرة هي التي تبرز في وقت المحن، وتسمو فوق صغائر الأمور، وتسبر بحسها الطبيعي أعماق جميع التناقضات والتداخلات السياسية. فالقائد المقتدر هو حقّا رجل لكل الفصول.

إن أهم ما يعنينا في هذه المبادرة الوطنية هي مدلولاتها والرسائل والدروس التي على جميع المعنيين بالشأن المحلي استيعابها.

وأولى هذه الرسائل، هي تلك الموجهة إلى بعض قوى المعارضة التي فقدت القدرة على ضبط انفلات بعض أتباعها الذين جنحوا إلى إتلاف ما تتوافر لهم من منشآت كأعمدة الأنارة وإشارات المرور. فإتلاف هذه المنشآت التي إنما أوجدت لخدمة الناس لا يساعد على رفع ضيم عن أحد. ومن جهة أخرى، فإن مضار مثل هذا الفعل متعددة، منها ما يشوش على الجهود المخلصة لتحقيق الانفراج المرغوب على ساحتنا الوطنية ويسهل على المتربصين عملهم في وصم أي حركة إصلاحية بالتخريب والإرهاب، وفي ذلك تعطيل لأي حراك إصلاحي. من هنا بات على تلك القيادات السياسية إدراك عواقب الانفلات والسعي الحثيث لضبط حركة مؤيديهم بالحكمة والموعظة الحسنة ليصبحوا عونا حقيقين لهم ولمسيرة ما يرنون إليه من إصلاح. فوسائل تحقيق الإصلاح متعددة لكن أعمال العنف (أيا كان مصدرها) ليست منها.

الرسالة الثانية، هي التي يجب استيعابها من قبل البعض الذين مسّتهم لوثة الاستئثار فاختصروا الوطن في ذواتهم وأقنعوا أنفسهم بأن سواهم فئات دونية طارئة لا تتعدى احتياجاتها وحقوقها الوطنية احتياجات القرود والخنازير حسب تعبير البعض. لذا بات من الطبيعي إقصاؤها لتعيش على الكفاف، فالشراكة في الوطن - إن وجدت - لا بد أن تكون في حدودها الدنيا. هذا النمط من التفكير الشاذ له مشعوذوه ومنظروه وكتابه الذين يصيغون تقاريره وينفذون خططه ويعملون جاهدين لإبعاد الناس عن حكامهم بالشحن والإثارة وإيغال الصدور تفعيلا لمبدأ الاستئثار. فلهؤلاء النصيب الأكبر في ما وصلت إليه بلادنا من احتقانات سياسية وتنافر أفقدت البعض صوابه فضل طريق الإصلاح الذي سبقه إليه أصحاب الشذوذ السياسي. لهؤلاء النفر نقول إن مبادرة جلالة الملك تقول لكم إننا لا نريد أن نقود شعبا من القرود أو الخنازير ولن نسمح أن يتحوّل وطننا إلى سجن لمواطنينا تحت أية ذريعة.

أما الرسالة الثالثة، فهي انبعاث التفاؤل والأمل بعودة الوعي إلى ساحتنا السياسية مرة أخرى بعد غياب كاد أن يعيدنا إلى المربع الأول. إن هذا الأمل والتفاؤل هو الآن أكثر واقعية مما كنا عليه قبل الإصلاح لكونه الآن يستند على حقائق ووقائع لم تكن متوافرة في الماضي. وأهم هذه الحقائق هي التوافق والإجماع الوطني بين القائد وشعبه حول الميثاق الذي يعتبر مرجعية ووثيقة عمل مستقبلية للبلاد لا يمكن لأحد القفز عليها دون إخلال بمجمل ما تحقق من توافق. والحقيقة الأخرى تتمثل في دستور البلاد الذي تُستمد منه تشريعاتنا. فعندما يجنح البعض لإقصاء واستبعاد الآخر طمعا في الاستئثار وعدم القناعة في مشاركة الغير في إدارة مؤسسات الدولة فإن الدستور لا سواه هو المرجعية والفيصل لاحتواء الخلاف بهذا الشأن. وبدعم من قائد المسيرة يبقى الأمل معلقا على حكم القانون كلما حاول البعض إقحامنا في عنق الزجاجة. من هنا تصبح الرسالة واضحة للفئات المتشائمة ولجميع المعنيين بالتشريع بأن القفز على الميثاق والدستور باستغلال أغلبية الأصوات أو أقلها لا يعتبر ولاء للوطن لكون الإرادة السامية لا تريد لهذا الوطن أن يكون سجنا.

الرسالة الرابعة تمثل قراءة ذكية وناضجة للمتغيرات السياسية على الساحة الدولية والإقليمية. فإذا كان البعض يعمل على إعادة أمجاده واستعادة نفوذه في المنطقة فليس أفضل من الانشطار والتناحر الداخلي وسيلة لفتح نافذة لهذه التدخلات. فعندما يقابل صلابة الآخر وتماسكه تناحر داخلي فإن الوضع العام يصبح مكشوفا ويبرر تدخلات الخارج حتى عند أقرب الحلفاء الذين باتوا يبحثون عن مفاتيح الحل لمغامراتهم لدى من يملكها بغض النظر عن لونه السياسي. من هنا نقول لأولئك الذين يتظاهرون بقلقهم البالغ على سلامة الوطن من أطماع الخارج لتبرير ممارسات إقصاء الغير، إن سلامة الوطن لا تتحقق بتشطيره إلى أجزاء متنافرة، وإن أطماع الخارج لا يمكن صدها بتغريب الآخر إلا إذا كان العكس هو المرغوب.

الرسالة الخامسة والأخيرة موجهة إلى جميع أطراف الطيف المحلي من دون استثناء ومفادها أن مسألة استقرار الوطن ورخائه وأمنه هي مسالة استراتيجية متكاملة الحلقات لا يمكن إدارتها بتكتيك جزئي ومرحلي تفرضه ظروف طارئة محلية كانت أم خارجية بين حين وآخر. ولكونها كذلك فإن بناء الثقة بين حميع الأطياف تعتبر من أهم متطلبات أي مصالحة وطنية مرغوبة. فقدر من الثقة والنية الحسنة مطلوب لإنجاح أي حوار وطني بحسب أدبيات علم الحوار. من هنا فإن قدرا من الإعداد النفسي لتقبل المصارحة والمكاشفة الصادقة حول هموم أساسية للتعايش يصبح لازما للخروج من الظروف التي سبقت المبادرة الملكية، على أن يتم كل ذلك من أجل الحاضر والمستقبل من دون حبس الذات في تجاوزات الماضي. ولأجل بلوغ هذه المرحلة لا بد من تحييد التطرف وخطاب الكراهية الذي صعق بهذه المبادرة فزاد من فقدان صوابه بالدعوة لنصب المشانق وذلك في اتجاه مغاير للإرادة الملكية. لهذه الأسباب فإن الرغبة في التعايش تتحقق عندما يتم فك الارتباط بقوى الاستئصال الظلامية بدلا من تمكينها بما يفوق تصوراتها.

إن في مبادرة جلالة الملك دروسا قيّمة على جميع المحبين لهذا الوطن استيعابها، وأهمها هي أن هذا البلد مازال بخير، وأن هناك الكثير من الرجال المخلصين والنصحاء الذين يجدون في رحابة صدر جلالته متسعا لخدمة البلاد والعباد. ندعو الله أن يكثر من الأخيار في بلادنا ويقلل من ولادة الأشرار وذوي نزعات الاستئثار.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2412 - الإثنين 13 أبريل 2009م الموافق 17 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً