يعيش طلبة جامعة البحرين اليوم أجواء مليئة بالترقب والتحفز والانتظار، فهم يخوضون تجربتهم الانتخابية الثانية لتشكيل مجلس طلبة جامعة البحرين في حدث أشبه بالعرس الانتخابي تلحظ ملامحه بشدة عند دخولك مباني الجامعة التي تتزين جدرانها وممراتها منذ أيام بملصقات الانتخابات الطلابية، فتشاهد مجموعات نشطة من الطلبة تدعوك إلى التصويت لمرشح معين اختارته، وآخر يهديك برنامجه الانتخابي وهناك خطبة حماسية لأحد المرشحين على طريقة «الهايد بارك» ممزوجة بالطريقة البحرينية.
بعض المرشحين تحسنت أخلاقه وسلوكه وتعامله مع زملائه الطلبة فصار يبتسم أكثر من اللازم ويدلي بالتحية والسلام من بعد أمتار، والبعض الآخر يروج لحملته الانتخابية باستخدام وسائل تعبيرية ذكية تابعناها من خلال الملصقات الدعائية التي حملت عبارات مركزة ومكثفة تدلل على الجهود الطلابية التي بذلت للاحتفاء بهذه المناسبة. ولسنا هنا لنقد هذه السلوكيات، وانما هي شواهد على وجود حركة طلابية نأمل أن تستثمر بشكل ايجابي في خدمة مصالح الطلبة، ولا تتجرد الشعارات من مضامينها بعد ضمان الكرسي في مجلس الطلبة.
وتصنيف المرشحين للمجلس في خانتي المستقلين والمتسلحين بالقوائم الطلابية، هو رأي بحاجة إلى إعادة نظر وسابق لأوانه لما يجري في انتخابات الطلبة. لا ننكر وجود تعاون بين مجموعة من المرشحين للوصول والتغلب على منافسيهم، لكنه لا يرقى إلى العمل السياسي المنظم الذي تقوم به الأحزاب والجماعات السياسية لحشد جماهيرها، ولا أظن أن الساحة الطلابية تتحمل هذا التعقيد المفرط. ويؤيد مقولتي الأخيرة أن بعض المرشحين ليس له انتماء ايديولوجي أو سياسي مما وصفوه به، وقد وصم البعض بأنه يتلقى دعما من جمعية سياسية أو طرف ما، وهو بذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية وخصوصا في ذكر هذه الجهات وأسماء المرشحين، وأدعو هؤلاء إلى التريث ولاسيما عند جهرهم للصحافة ووسائل الإعلام إذ يرتفع سقف المسئولية والمحاسبة، ولا نريد لهم أن يزجوا في السجن بتهمة السب والقذف فقانون الصحافة الجديد لن يحميهم.
ووسط هذه الاحتفالات يلاحظ اشتداد عود «المشاركة» وتراجع حدة الأصوات التي تنادي وتدعو إلى مقاطعة الانتخابات بسبب حدوث عدد من التغيرات على مستوى الساحة الطلابية أهمها خوض الطلبة لتجربتهم الأولى في المجلس، وانبثاق رؤية جديدة للعمل الطلابي تتطلع إلى الأفضل وتستثمر الفرص الموجودة. فمقارنة مع العام الماضي، كانت أصوات المقاطعة تعلو وشهد المجلس مشاركة طلابية ضعيفة إذ يرى المقاطعون ومازال بعضهم «أنه لا جدوى من المشاركة في ظل صلاحيات محدودة للمجلس وأنه لابد أن تسعى الجامعة إلى توسيع نطاق عمل المجلس داخل الجامعة بحيث تكون له سلطة أكبر ويبرز دوره بشكل واضح وألا يضطلع بدور الجمعيات أو الأندية الطلابية». ونحترم وجهات النظر التي تتجه إلى النقد البناء وليس المقاطعة لأجل المقاطعة، فمن حق الطلبة أن يقبلوا أو يرفضوا المشروعات التي هم معنيون بها بالدرجة الأولى.
والرؤى التي يتبناها كثير من الطلبة اليوم تسير في اتجاه القبول بالواقع ومجابهته والسعي إلى تعديل الخلل وليس الهروب إلى قوقعة الغياب والنسيان، فما هو متاح قابل لأن يطور ويعدل، وليست التشريعات الموجودة نصوصا مقدسة منزلة من السماء. والتغيرات الايجابية التي يشهدها العمل الطلابي هي نتيجة تضافر جهود الطلبة والادارة الجامعية، ولابد أن يعمق الحوار ويتم احتواء مناقشة النقاط الاختلافية التي يتبناها البعض وسيثري ذلك من تجربة المجلس.
ويطرح في هذا الاتجاه إعادة تأسيس الاتحاد الطلابي أو تأسيسه من جديد بشكل منفصل أو في مساق يوازي عمل المجلس الطلابي، وهي أطروحات متعددة لا يمكنها بأي حال من الأحوال انكار أهمية وجود الاتحاد الطلابي والدور الذي سيقدمه إلى الطلبة، فهو المظلة والعنوان الأشمل الذي تتفرع منه المجالس الطلابية. وحتى الآن لم تتبلور لدى الطلبة صورة واضحة ومكتملة لطريقة تأسيس الاتحاد فالبعض يرى مواصلة ما بدأه الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في السبعينات، والبعض الآخر يرى تأسيسه منفصل جزئيا عن التجربة الماضية وتأسيسه على معطيات الواقع الطلابي في هذه المرحلة. وتجدر هنا الاستفادة من تجربة مجلس الطلبة وهي التجربة العملية القريبة من الطلبة، والانطلاق منها إلى مشروعات أكبر.
وحفلت الدورة الأولى للمجلس بعدد من المشروعات الطلابية بعضها نفذ والبعض الآخر في صدد التنفيذ، وواجه أعضاء المجلس في بداية عملهم صعوبات في التعامل مع أجهزة الجامعة فلم تكن الصورة واضحة عن موقع المجلس في الهيكل الاداري للجامعة، وإلى من يتجه الأعضاء في حال تنفيذ القرارات التي يقرونها. ونقدر ظروف التجربة الأولى التي عادة ما تكون صعبة وثقيلة فهي مرحلة تأسيس وبناء القاعدة، ونأمل أن تشهد التجربة المقبلة نفسا تجديدا يلبي طموح الطلبة.
وعلى ضوء المعطيات التي أفرزتها التجربة الأولى نتوقع مشاركة طلابية أوسع وفاعلة، وأن يدلي الطلبة بأصواتهم في صناديق الاقتراع بمسئولية ووعي من دون تأثير وضغوط من الآخرين.
علينا أن نتفاءل... ونسعى دائما إلى الأفضل، ولن تتحقق الأماني المشرقة والتطلعات البيضاء للمجلس بالاحلام وانما بالرؤى الصائبة والعمل الدؤب
العدد 241 - الأحد 04 مايو 2003م الموافق 02 ربيع الاول 1424هـ