مع فوز حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمود عباس (أبومازن) بأعضائها الـ 23، بثقة المجلس التشريعي، الأمر الذي يفتح الباب أمام نشر «خريطة الطريق» من جانب الولايات المتحدة، كما تشكل مقدمة لخطوات مطلوبة من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتسهيل العودة الى طاولة المفاوضات، نقلت الصحف الإسرائيلية أجواء توحي بمحاولة تنصل إسرائيلية، من دعم أبو مازن، الذي طالما سعت بأن يؤدي تعيينه على رأس الحكومة الفلسطينية إلى إنهاء عهد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وبعد أن خسرت شرط تشكيل الحكومة تنوي التركيز من الآن فصاعدا على وجود الرئيس عرفات واشتراط تحييد نفوذه لتحقيق أي تقدم. لكن تعليق بن كسبيت في «معاريف»، يوضح المشكلة التي تنتظر رئيس الوزراء الإسرائيلي حين رسم المعادلة الآتية: ان نجاح أبو مازن وفشل عرفات سيدفعان بخريطة الطريق إلى طاولة شارون، كما سيدفعان بشارون إلى المفترق الكبير للقرارات المهمة التي يتخوف منها. في أي حال، رأى وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم، تعليقا على خطاب «أبومازن»، أن «أقواله التي تطرق فيها إلى الحل الدائم تثير علامات استفهام كبيرة عن استعداد الفلسطينيين للتوصل إلى حل كهذا». فقد أشار أبومازن إلى انه «لكي يكون خطابنا واضحا، فإن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأقل من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، دولة حقيقية متصلة الأجزاء وخالية من الاستيطان على جميع الأراضي التي احتلت العام 1967».
غير أن الوزير الإسرائيلي وصف تصريحات «أبومازن» الداعية إلى القضاء على العنف والتحريض بأنها «بداية طيبة». وإذ لم يضف الوزير الإسرائيلي تعبير «وحسب» على «بداية طيبة». تكفلت الصحف العبرية بنقل أكثر وضوحا فيما يتعلق بمستقبل العلاقة مع رئيس الحكومة الجديد، إذ نقل عموس هاريل في هآرتس، عن مصادر استخباراتية عسكرية إسرائيلية قولها ان أبو مازن، لا ينوي ضرب البنية التحتية «للإرهاب» من جذورها. كما نقل هاريل، عن مصدر عسكري رفيع المستوى ان أبو مازن، يخطط ليجري محادثات مع «حماس» والجهاد الإسلامي، ولكنه لا يريد أن يتشاجر معهما. وإذ لفت الكاتب العبري، إلى ما تردد حديثا عن المقاربات المختلفة بين الجيش الإسرائيلي وجهاز الشين بت، في ما يتعلق بما يتوقعانه من القيادة الفلسطينية، رأى ان هذا الاختلاف قد زال تماما في هذه المرحلة. موضحا ان الشين بت، والاستخبارات العسكرية تتشاطر وجهة نظر واحدة مفادها ان أبو مازن، لا يخطط لإجراء تغيير شامل.
ونقل هاريل، عن مصدر من الاستخبارات قوله ان أبومازن، يشعر بأنه يفتقر للشرعية الداخلية ولذلك فهو سيتنازل للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، عن أمور رئيسية كثيرة، وهذا ما زعزع الثقة بتمكنه كمن محاربة «الإرهابيين» في المستقبل. من جهته، داني روبنشتاين في «هآرتس» لاحظ انه على رغم ان خطاب أبو مازن كان معتدلا إلا انه كان شبيها بما قاله الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قبل أيام... واعتبر ان المشكلة الرئيسية هي ان المعارضة الفلسطينية الأساسية أي «حماس» والجهاد الإسلامي، تقاطعان المجلس التشريعي الفلسطيني بما انه قد انتخب وفقا لاتفاقات أوسلو، المرفوضة من قبلهما رفضا تاما.
وكانت افتتاحية هآرتس، قد رأت ان إعلان الحكومة الجديدة هو اختبار مزدوج لقدرة «أبومازن» على وقف العنف وفرض سيطرته. وهو اختبار أيضا لصدق نيات رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي شدد في الفترة الأخيرة على ضرورة عدم تضييع الفرصة التاريخية العودة إلى المفاوضات.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز، قد أوضح ان الحكومة الإسرائيلية «ستتشدد في التفاصيل» في كل ما يتصل بمطالبها الأمنية من السلطة الفلسطينية. وأشار بوجوب الحذر من تقديم بوادر حسن نية في الوقت الذي تجري فيه عملية ترميم البنية التحتية للإرهاب. كما حذر من وجود «بؤرتين» للقيادة في السلطة الفلسطينية، واحدة للرئيس عرفات والثانية لأبومازن. فيما بدا شروطا جديدة من إسرائيل وبعد أن خسرت شرط تشكيل الحكومة تنوي التركيز من الآن فصاعدا على وجود الرئيس عرفات واشتراط تحييد نفوذه لتحقيق أي تقدم. وقد شرعت فعلا في الاعلان عن انها لن تقبل بنتائج أي «حوار وطني» فلسطيني.
وانها ترفض أي «هدنة» داخلية لن تقبل بأقل من جمع الأسلحة وتفكيك المنظمات الفلسطينية واعتقال المطلوبين. ونقض يوئيل ماركوس في هآرتس، المقولة السائدة «الثورات تأكل أبناءها» ليرى ان الثوار يستهلكون الثورات من خلال تشبثهم بالسلطة بعد الوصول إليها... واعتبر ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أذى شعبه كثيرا من خلال رفضه السابق الاعتراف بدولة «إسرائيل» وتحالفه مع الاتحاد السوفياتي ودعمه ما أسماه «الإرهاب». واعتبر ألوف بن وناتان غوتمان في هآرتس، ان تأخير وزير الخارجية الأميركية كولن باول، زيارته لإسرائيل، لمدة أسبوعين عما كان مقررا يهدف إلى تقليص الضغوط على أبو مازن، وإمهاله إلى أن يدعم موقعه في السلطة الفلسطينية من دون أن يبدو ألعوبة بين أيدي الإسرائيليين والأميركيين. ونقل الكاتبان العبريان، عن مصدر حكومي رفيع المستوى في القدس، ان أبو مازن، قال انه ليس مستعجلا للحصول على خريطة الطريق وانه يفضال تدعيم نفسه في منصبه الجديد أولا.
ورأى داني روبنشتاين في هآرتس، ان الصراع على السلطة في القيادة الفلسطينية لم يضعف الرئيس عرفات وحده وإنما أضعف أبو مازن أيضا... ورأى الكاتب الإسرائيلي، انه بالنظر إلى هذه الصورة الخارجة عن هذه الأزمة يمكن الاستنتاج بأن عرفات لا يريد الاستسلام، وعلى رغم تقديمه تنازلات في الوقت الراهن، إلا انه ما زال يملك سلطة معينة. ولاحظ ان أبومازن لم يقاوم خلال الصراع بين الرجلين، ولم يدافع عن نفسه. ونقل في نهاية مقاله، مقولة أحد المصادر المطلعة، ان أبومازن، ليس مثل الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي خلف جمال عبدالناصر وقاد ثورة دبلوماسية واجتماعية. فنجاح أبومازن، بحسب هذا المصدر في هذه المرحلة قد أضعفه كثيرا.
وأشارت دبكا فايل، في تقرير خاص، إلى ان رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات هو الرابح في النزاع الذي حصل بينه وبين رئيس الوزراء المكلاف محود عباس (أبومازن) إذ استطاع أن ينصب نفسه في سلطة القرار الفعلية بالإضافة إلى ان عرفات قد كسب الشارع الفلسطيني عندما تحدى «مستعمري العراق» في إشارة إلى الولايات المتحدة.
يذكر انه بينما كان المجلس التشريعي يصدق، تشكيلة الحكومة الفلسطينية الجديدة كانت المروحيات الإسرائيلية في قطاع غزة والدبابات الإسرائيلية في بيت لحم وجنين تغتال خمسة من الفلسطينيين بنيران قذائفها. في الوقت الذي كان فيه أبو مازن أيضا يلقي خطابه الذي تعهد فيه بالعمل على «إنهاء مظاهر فوضى السلاح» المنتشر بين أيدي الفصائل الفلسطينية، ويدعو إسرائيل إلى استئناف مفاوضات السلام
العدد 241 - الأحد 04 مايو 2003م الموافق 02 ربيع الاول 1424هـ