تتمتع مجموعة العشرين التي عقدت قمتها في العاصمة البريطانية، في مطلع أبريل/ نيسان 2009، بمجموعة من المميزات التي أضفت على تلك القمة أهمية خاصة. فعلى المستوى الاقتصادي، يشكل اقتصاد بلدانها العشرين ما يربو على 85 في المئة من اقتصاد العالم، وتضم بين صفوف أعضائها اقتصادات صناعية متقدمة مثل ألمانيا والولايات المتحدة، دون أن تستثني الاقتصادات الناشئة النشطة مثل الصين والهند والبرازيل، كما يوجد بين أعضائها أهم دولة نفطية والتي هي السعودية. ولا تقل تلك الأهمية عند مقايسة المكانة السياسية، فدولها تنتشر في كل القارات، وهناك الكثير من نقاط الوفاق بين أعضائها مثل البرازيل والصين، دون أن يخفي ذلك التوافق تلك الصراعات المتفجرة بين كتلها المتنافسة، كما شهدناها في الصراع بين الجبهة الألمانية-الفرنسية من جهة، والبريطانية-الأميركية من جهة ثانية، وانعكاس ذلك على باقي الدول الأخرى.
حاول إعلام الدول المسيطرة على اتجاهات قمة العشرين، والذي هو الأميركي والبريطاني، أن يرسم صورة وردية للنتائج التي توصلت إليها تلك القمة الأخيرة، من خلال تضخيم قيمة المبالغ التي خصصت لمواجهة الأزمة العالمية والتي بلغت ما يزيد على تريليون دولار أميركي خلال فترة قصيرة لا تتجاوز عاما، اتفاقها على تعجيل خطوات وإجراءات تنشيط حركة التجارة العالمية، أو تعزيز قدرات صندوق النقد الدولي على الإقراض، بما في ذلك تقديم قروض للدول النامية. يعزز تلك التوجهات الإعلامية الأنغلو-أميركية تلك التصريحات التي أدلى رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون خلال المؤتمر الصحافي في ختام القمة، حين قال «اليوم، اتحد العالم لمكافحة الكساد العالمي، ليس بالكلمات بل بخطة للإنعاش العالمي والإصلاح وفقا لجدول زمني واضح».
لكن، بعيدا عن تلك الصورة الوردية الخادعة، فإن من يريد أن يخرج بقراءة صحيحة لما تمخضت عنه قمة العشرين الأخيرة، عليه أن يمعن النظر في جوهر القرارات النهائية التي لخصها موقع «سويس إنفو» في ست نقاط رئيسية هي:
1- استعادة الثقة والنمو والشغل، 2- إصلاح النظام المالي لإتاحة إنعاش قطاع الائتمان، 3- تعزيز القواعد المالية لاستعادة الثقة، 4- تمويل وإصلاح المؤسسات المالية الدولية لتجاوز هذه الأزمة وتفادي أزمات في المستقبل، 5- تشجيع التجارة الدولية والاستثمار ورفض السياسات الحمائية، 6- بناء إنعاش تام وبيئي ومستدام.
ما تقوله تلك النقاط في صراحة واضحة «إن المؤسسات المالية القائمة والسياسات الحمائية المعمول بها، والثقة التي نالها الاقتصاد العالمي، جميعها لم تعد قائمة»، وإن القمة إنْ هي أرادت أن تضع مخططا جديدا لإخراج العالم من هذه الأزمة عليها أن تلجأ إلى أساليب ومداخل أخرى، تختلف جوهريا ونوعيا عما تم التوصل إليه داخل ردهات القمة من قرارات وتوصيات، من دون التقليل من أهميتها، بل وجدواها المرحلي المحدود، لكن ليس في حل الأزمة، بل في التخفيف من سلبياتها والحد من اتساع إطار عوامل هدمها التدميري للاقتصاد العالمي.
وليست تلك النقاط هي الشواهد الوحيدة التي تدلل على عمق الأزمة، وتدعو إلى تعزيز النزعة التشاؤمية في إمكانية الوصول إلى حل جذري شاف بشأنها، في حال استمرار العمل بالهياكل المالية القائمة والقوانين المعمول بها في تسيير أعمال تلك الهياكل ومراقبة عملياتها.
فهاهو مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس يصرّح مؤخرا لوكالة «رويترز» مؤكدا «عدم رؤية الاقتصادات العالمية للضوء في نهاية نفق الأزمة المالية الحالي»، مرجحا سقوط الاقتصاد العالمي «في أزمة طويلة ناشرا حالة من الاضطراب، مضيفا أنه إذا لم تتحرك الحكومات بسرعة أكبر فإن بداية الانتعاش العالمي المتوقعة في أواخر 2009 أو أوائل 2010 قد تتأخر».
يتفق مع ما ذهب إليه شتراوس من تشكيك في قدرة الهياكل والأنظمة القائمة في انتشال النظام الاقتصادي العالمي من أزمته البنيوية هذه التي تتمظهر في أشكال متعددة، من نمط أزمة العقار أو السيولة النقدية، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي بيلي أن حين يقول بأن «التاريخ يؤكد أنه لا يمكن أن يتعافى الاقتصاد من أي مشكلات وأزمات يعاني منها، طالما أن النظام المالي لهذا الاقتصاد يمر بأزمة، وخاصة إذا كانت أزمة كبيرة وخطيرة كتلك التي يمر بها الاقتصاد الأميركي في الوقت الحالي».
وكما يبدو فإن مناقشة الأزمة والحلول المناسبة لها قد خرجت من دائرة «الاجتهادات الإجرائية» إلى نطاق «النقاشات الفكرية-النظرية» بشأن مدى مساس الأزمة ببنيوية الاقتصاد العالمي التي أرسيت دعائمها في نهاية الحرب الكونية الثانية. مثل هذه التساؤلات المفصلية كانت محور نقاشات ساخنة في حلقة حوارية نظمها مجلس العلاقات الخارجية من أجل التوصل إلى مدخل نظري لعلاج الأزمة المحدقة بالاقتصاد الأميركي وشارك فيها المدير العام لمجموعة ليندسى تيموثى أدامز، وأحد كبار الباحثين في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي سايمون جونسون، وأدار حواراتها رئيس مجموعة أيفركور روجر ألتمان، وبث وقائعها موقع «تقرير واشنطن».
وإذا ما اتفقنا على أن أساس الأزمة يكمن في الاقتصاد الأميركي، وأنه طالما استمر الاقتصاد الأميركي في ظل الظروف القائمة عاجزا عن الوصول إلى حل جذري لها، فلابد من أن تتركز قراءتنا للمستقبل الذي ينتظر الاقتصاد العالمي على نتائج العلاجات المقترحة لهذا الأخير، والذي تؤكد التقارير الرسمية كتلك الصادرة عن مكتب الاحتياطي الفدرالي، لأنه ليس هناك ما يبشر من الانعتاق من ربقة الأزمة، كما كان متوقعا، قبل مرور عامين في أحسن الأحوال، إذ إن التقرير لا يتوقع «تحسن وضع الاقتصاد الأميركي قبل نهاية العام 2009 أو مطلع العام 2010».
وهذه التوقعات تنسجم أيضا مع ما حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يزرعه في ذهنية المواطن الأميركي لحظة اعتلائه سدة البيت الأبيض، حينما أكد أن «مشروع الموازنة للعام 2010 الذي قدمته إدارته يعكس بطريقة صادقة الوضع الشائك للاقتصاد الأميركي، وإرادته هو في تطبيق الإصلاحات التي انتُخب لأجلها».
لكن هذه الصورة غير الوردية لا تنحصر في كتلة دول العشرين، بل تشمل كل دول العالم، بغض النظر عن تجاهل تلك الدول لها أو ادعائهم خلاف ذلك
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2403 - السبت 04 أبريل 2009م الموافق 08 ربيع الثاني 1430هـ