العدد 2403 - السبت 04 أبريل 2009م الموافق 08 ربيع الثاني 1430هـ

إعداد المعلم... في جامعات أم كنتونات؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

لا يوجد حل لإشكاليات حقل التربية والتعليم من دون التوصل إلى حلول جذرية لأداة التعليم الأساسية المفصلية: المعلّم. ولأنّ الأمر كذلك فإن كيفية ومكان إعداد هذه الأداة الكبرى هما أمران يستحقّان النظر إليهما بتمعّن شديد.

مناسبة هذا الحديث ما يلحظه الإنسان في بعض الدول العربية من رجوع إلى ما كان يعرف سابقا، بمعاهد أو كليات المعلمين المستقلة وغير المندمجة في الجامعات. وبداية فإن التسمية هي بذاتها خارج المألوف من تسميات الكليات. فهل سمع أحد منا قط باسم كلية الأطباء أو كلية المهندسين أو كلية المحامين أو كلية الممرضات أو كلية رجال الأعمال؟

إن التسمية عادة تشير إلى الحقل المعرفي التخصصي، فيقال كلية الطب وكلية القانون ...إلخ، وإذن فالتسمية كافية لأن تشير، بقصد أو من دون قصد، إلى نكران وجود نظام معرفي متكامل للتربية والتعليم وإلى عنوان يجرح سمعة الحقل.

والآن، دعنا نطرح السؤال التالي: هل المطلوب من كليات التربية إعداد معلّم من خلال تدريسه مادة تخصص (رياضيات، ولغة... إلخ)، ثم تدريبه على وسائل نقل وتمرير تلك المادة إلى أذهان طلابه، أم أن المطلوب هو إعداد معلّم قادر -إضافة إلى ما سبق- على تفجير وإغناء وتجديد قدرات الطلاب الذهنية الإبداعية والنفسية والسلوكية والروحية والاجتماعية؟

وبمعنى آخر هل المطلوب وجود أداة تساهم في تغيير وإغناء وإعادة صياغة ثقافة وروح المجتمع أم أداة تساهم في ترسيخ عادات الاجترار وبلادات السكون لإبقاء المجتمع آسنا شبه ميّت؟

الجواب عن هذه الأسئلة سيعتمد بالطبع على مَن توجّه إليهم تلك الأسئلة.

فمن المؤكد أن هناك جهات لا تريد من المدرسة ومن المعلم أكثر من إعداد جيد لقوى عاملة تستجيب لحاجات اقتصاد السوق أو تقوم ببعض الخدمات العامة والخاصة. مثل تلك الجهات لن تقبل بإعداد معلم يكون في مقدمة قوى التغيير والتجديد والتحديث، وبالتالي ستفضل أن يكون تقنيّّا مماثلا في عمله للسبّاك أو النجار أو الحداد.

لكننا سنفترض وجود جهات تريد شيئا آخر. إنها تريد تحسنا متناميا في صفات وقيم وسلوكيات وطرائق تفكير الأجيال المتتابعة ومن أجل ذلك فإنها تريد مدرسة ومعلّما قادرين على إحداث ذلك... وهنا تكمن قضية كيفية ومكان إعداد المعلم.

وفي اعتقادي أن مكان الإعداد هو جزء مهم في موضوع الإعداد. فإعداد المعلم في كلية تربية، ضمن جامعة، سيعني إعداده المتكامل فيما بين الجوانب التخصصية المهنية من جهة والثقافية العامة والتفاعلية مع الآخرين من جهة أخرى. فوجود كليات أخرى في نفس الحرم الجامعي يعطيه فرصة دراسة مواد أخرى، كمواد تخصصات فرعية أو كمواد اختيارية، في كثير من الحقول المعرفية الأخرى. وعندما يلتحق بصفوف الكليات الأخرى فإن ذلك يعني احتكاكا وتفاعلا مع أساتذة وطلبة ومناهج تختلف عمّا يحصل عليه في كليته، كلية التربية.

الانفتاح على الحقول المعرفية الأخرى والتواصل مع أساتذتها وطلبتها يغني إلى حد كبير ثقافة ومكونات شخصية معلم المستقبل.

إضافة إلى ذلك فالحياة النشاطية، من جمعيات ونوادٍ وجماعات سياسية وفنيّة وغيرها، هي أغنى بكثير في حرم الجامعة مما هي عليه في كلية منعزلة. وهذا التفاعل مع الآخرين مطلوب لبناء شخصية غير منطوية على نفسها ومنفتحة على المجتمع ومرنة ومتكاملة في مكوناتها. وكلها صفات يجب أن تتوافر في معلم المستقبل.

ما نريد أن نخرج به هو أن إعداد المعلمين في الأجواء الجامعية، حيث العديد من الكليات والكثير من الخيارات المعرفية والغنى التواصلي مع الدارسين الآخرين في تخصصات أخرى ومع أساتذة في حقول معرفية أخرى، سيكون أفضل بكثير من إعدادهم في كليات مستقلة حيث محدودية الخيارات الأكاديمية وقلة أنواع التفاعلات الفكرية والاجتماعية.

إن وسائل إحداث التغييرات والتجديدات الفكرية والثقافية والاجتماعية في المجتمعات العربية قليلة ومحاصرة من قبل قوى الاستبداد والمصالح الفئوية والجمود. وغياب الحريات في السياسة والإعلام والفكر يجعل التغيير في أرض العرب صعبا وشاقا.

ومن هنا أهمية المدرسة والمعلم في أن يكونا أداتين للتغيير والتجديد. وهذا لا يمكن أن يتمّ إلا من خلال معلّم يجمع إلى قدراته المهنية ثقافة واسعة وشخصية ناضجة ملتزمة بفكرة التغيير المجتمعي. وفي اعتقادي أن هناك شكا كبيرا في أن تستطيع القيام بتلك المهمة المفصلية كانتونات التربية المعزولة، العالية الأسوار، المفصلة بجمود من قبل مقترحيها الأغراب من غير العرب، وآه من بعض الأغراب وجهلهم بحاجات مجتمعاتنا العربية، والتي لن تسهم كما يحلم الكثيرون، في جعل مهنة التعليم مهنة رفيعة المستوى

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2403 - السبت 04 أبريل 2009م الموافق 08 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:04 م

      شكرا دكتور

      موضوعك في غاية الاهمية و من المفارقات العجيبة والتي تثير الاستغراب ان من ينشئ هذه الكليات يحرمها على غيره من جهات خاصة!
      والاعجب في كل الامر من هذه الكليات اننا بعثنا بابنائنا للدراسة فيها ركضا وراء المستقبل المضمون! كما يروج لها القائمون عليها. عن اي مستقبل وابنائنا اصبحوا مبرمجين فلا خيارات حقيقية لديهم للتغيير الوظيفي والترقي في المستقبل!

اقرأ ايضاً