من حق الشركات والمكاتب العقارية أن تستخدم كل الوسائل الإعلامية الممكنة لتسويق عقاراتها من أراضِ وفلل وشقق ومنازل وعمارات وغيرها، ولكن من الضرورة أن لا يكون ذلك على حساب المواطن البحريني الفقير الذي لا يستحق أن تعرض عليه الأحلام ليشتريها كما لو أنها قصر وسط واحة في الجنة.
ففي الآونة الأخيرة تصاعدت معدلات شكاوى المخدوعين بعروض بعض الشركات التي تلعب على وتر الحاجة والمساعدة في بلوغ الثراء السريع من دون تعب أو مشقة، حتى أن بعضهم دفع مكافأة التقاعد بأكملها، فيما اضطر آخرون وإذعانا للمغريات التي تضمنتها عروض الشراء إلى الاستدانة من المصارف والأهل والأصحاب، فكانت النتيجة هي المبيت في أروقة المحاكم وخسارة علاقات الود والتراحم التي تربطهم مع مختلف معارفهم.
ويرى بعض العاملين في مهنة الدلالة أن على المواطن أن يحزم حقائبه ويغادر إلى البلد التي يعتزم شراء عقار منها، قبل توقيعه أية عقود تكون ملزمة له ولم يتأكد من مدى حقيقتها.
وهذا الأمر باعتقادي صعب جدا، فالبحريني البسيط المحدود الدخل لا يستطيع مغادرة البلاد إلا مرة كل سنتين أو ثلاث وربما أكثر، وإذا كنا نعتبر زيارته إلى المملكة العربية السعودية بمثابة السفر فإن ذلك هو الأمر الوحيد الذي لا يكلفه الكثير، وخصوصا أنه يستخدم سيارته الخاصة، بينما هو في الحقيقة مديون للمصارف وغارق حتى أخمص قديمه في إيجار مسكنه، ومطالب بسداد قسط السيارة وتوفير مستلزمات المعيشة والدراسة لأسرته وأبنائه، عدا فواتير الكهرباء والماء والهاتف ونفقات الصيانة والبنزين، وبالتالي كيف له أن يوفر ثمن تذكرة سفر لبلد عربي مضاف إليها كلفة المعيشة والتنقل؟
وخلافا لذلك، هناك فئة محدودة من المواطنين زارت مواقع العقارات المعروضة للبيع في بلدان عربية، ونتيجة لعدم إطلاعها وإلمامها بتصنيفات المناطق (سكنية، صناعية، تجارية، خدمية، استثمارية)، فقد قامت بإتمام عملية شراء أراض ومبان بأسعار مغايرة لطبيعة المنطقة التي هي أساسا بعيدة عن الخدمات وفي منطقة معزولة على أمل أن يرتفع سعرها لاحقا، لتكتشف بعد ذلك بأنها لا تباع إلا بنصف ما دفعته وربما أقل من ذلك.
جمعية البحرين لحماية المستهلك مطالبة بتوعية الناس بمخاطر التورط بشراء عقارات ليس لها أثر في الوجود، انطلاقا من واجبها الوطني تجاه المجتمع، ولكن كيف لها أن تمارس هذا الدور وهي محدودة الصلاحيات والإمكانات، وتسير شئونها من خلال المشروعات التي تقدمها إلى وزارة التنمية الاجتماعية للحصول على الدعم المادي الذي يتبخر سريعا، كما لا يوجد لديها مقر تنطلق منه الندوات والمحاضرات وورش العمل سوى أكشاك خشبية تبرعت بها إحدى الوزارات الخدمية، تمثل الدلالة الوحيدة على أن الجمعية لم تمت حتى الآن.
ومن هنا يأتي دور إدارة حماية المستهلك بوزارة الصناعة والتجارة بما لديها من موظفين ومفتشين وسلطة تنفيذية قادرة في المقام الأول على ضبط التلاعبات التي تتم في الخفاء بعناوين وشعارات براقة تخطف الألباب، ولديها القدرة المادية اللازمة للإعداد لبرنامج توعوي واسع تستخدم فيه المساحات الإعلانية المنتشرة في الشوارع، والمطويات والمحاضرات ووسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، لتفتيح أذهان أفراد المجتمع وتحصينهم ضد الاستمالات التي تستخدمها بعض الشركات العقارية.
كثيرة هي المسببات التي تدفع المواطن لأن يُقبل على شراء عقارات دولية بأسعار لا يمكن أن يحصل عليها في بلده، ومن ضمنها ضيق الحال وتزايد حجم المسئوليات الملقاة على عاتقه، وارتفاع أسعار السلع التي تتوقف عليها معيشته اليومية، وهو إما يلجأ إليها هربا من حرارة الصيف وللتخفيف من وطأة ضغوطات الحياة المتراكمة على نفسه أو يعرضها للبيع بعد أن يتزايد الطلب السوقي عليها فيحقق من ورائها مكاسب كبيرة، وبعلاجنا لهذه المسببات سيتراجع عدد ضحايا العقارات الوهمية.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2391 - الإثنين 23 مارس 2009م الموافق 26 ربيع الاول 1430هـ