العدد 2389 - السبت 21 مارس 2009م الموافق 24 ربيع الاول 1430هـ

عن عشق سكون المقابر

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

مقدار الترحيب بالتغيّرات الكبيرة ومدى القدرة على إحداثها أصبحا جزءا من مقاييس حيوية وفاعلية المجتمعات.

الركود يجعل مياه المجتمعات آسنة والتغيّّر يحيلها إلى أنهر وشلالات متدفقة متجددة. بادئ ذي بدء دعنا نرصد الآتي:

في جمهورية السلفادور الأميركية الجنوبية أسقط الشعب في الانتخابات قوة سياسية يمينية حكمته أكثر من ثلاثين سنة واستبدلها بحركة يسارية تقدمية وذلك على رغم ما صرفته أميركا من مئات ملايين الدولارات في الماضي لتدمير حركات اليسار وعلى رغم اعتماد تلك الجمهورية شبه الكامل على مداخيل صادراتها لأسواق الولايات المتحدة الأميركية.

في باكستان خرج مئات الألوف في مظاهرات متحدية قوى الأمن وذلك من أجل إعادة قضاة تمَّ عزلهم في الماضي من قبل الدكتاتورية العسكرية. وعلى رغم تهديد ووعيد السلطات الحالية لجهات المعارضة إلا أن زخم المظاهرات والتفاف قوى كثيرة من منظمات المجتمع المدني الحقوقية والسياسية حول تلك المطالب جعل السلطات تتراجع وتقبل بعودة القضاة المعزولين إلى مناصبهم السابقة.

في مدغشقر ظل الألوف من المواطنين يجوبون الشوارع مطالبين بذهاب نظام سابق أتهموه بالتنكر لعهود ووعود سابقة. ونجحت الجموع في إقناع العساكر بالوقوف مع مطالبها وفي فرض إرادتها، وتغير الحكم.

نحن إذن أمام أمثلة من مجتمعات امتلأت بزخم الحيوية وأنتجت تغييرات لصالح جموعها. فما الذي يقابل ذلك الزخم في مجتمعات الأرض العربية؟

إنه سؤال يلح على الكثير منا كلما استمعنا لأخبار ما يجري في الدنيا الواسعة وقارنّاها بالسكون المذهل في مجتمعاتنا، وهو سؤال يولّد الكثير من الأسئلة الأخرى.

إن الكاتب الأميركي ثورو كتب أن الأشياء لا تتغير، وأن ما يتغير هو نحن.

فهل توقّف الإنسان العربي عن تغيير نفسه فأدخل مجتمعاته في نفق اللامبالاة التي وصفها أحدهم بأنها الشرّ الأكبر الذي لم ينجح العلم بعد في اكتشاف دواء لعلاجه؟

منذ زمن طويل عرفنا نحن المسلمون أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فأخذنا بذلك التوجيه الإلهي وفجرنا تغييرات كبرى في كل أرض العرب طيلة القرن الماضي. فما الذي ران على الشخصية العربية لتنفصل عن قدرها وتزدري القول المأثور لفيلسوف اليونان هيرا كليتوس من أن شخصية الإنسان هي قدره؟

أية تركيبة تلك، ولأية شخصية، التي ترى دساتير بلادها تنتهك، وقوانين مجتمعاتها تزوّر، وثروات أبنائها تنهب، وقوى مجتمعاتها تهمّش، وأوطانها تعود لتدنّّّّّّّّّّّّّّّّّسها أحذية الغزاة، والفساد المالي والإداري والذممي ينخر عظام مؤسساتها... التي ترى كل ذلك ومع ذلك تبقى لا مبالية؟

إن اللامبالاة هي كبرى الآفات. وكان العالم ألبرت اينشتاين يقول عنها: إن الخطر على العالم لا يكمن في وجود أناس مؤذين، ولكنه يكمن في وجود أناس يرون تلك الأخطار فلا يفعلون شيئا لمجابهتها.

هذه اللامبالاة التي تتخمّر شيئا فشيئا لتصبح سكونا مجتمعيا تجاه كل الموبقات هي العلامة الفاصلة ما بين ما حدث في شهر واحد في أميركا الجنوبية وباكستان ومدغشقر وما بين ما سيحدث في بلد عربي بعد بضعة أيام عندما سينتخب الناس رئيسا للمرة الثالثة وذلك على رغم من الدستور، وطاعة لإرادة العساكر.

إن المناضل الأميركي الشهير مارتن لوثر كنج كان يقول: إنه في النهاية لن نتذكر ما قاله عنا أعداؤنا وإنما سنتذكر سكوت وسكون أصدقائنا. ولذلك فعندما سيكتب تاريخ هذه الحقبة السوداء من حياة العرب فإن ما سيبهر المؤرخين ليس كلام الانتهازيين وأزلام كل أنواع السلطات الفاسدة المستبدة وإنما هذا الصمت المصم للآذان الذي ران على المجتمعات العربية اللامبالية، غير الراغبة في التغيير، العاشقة لسكون المقابر

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2389 - السبت 21 مارس 2009م الموافق 24 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً