العدد 2387 - الخميس 19 مارس 2009م الموافق 22 ربيع الاول 1430هـ

أبوالحسن بني مَنْ ؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل يتذكّر القرّاء شخصا اسمه أبوالحسن بني صدر؟ ربّما نصفهم لم يسمعوا به، والنصف الآخر ربما يذكرونه بليلة هروبه المثيرة من طهران!

كان أول رئيس جمهوريةٍ منتخبٍ في إيران بعد استقالة حكومة بازركان، وكان يدير صحيفة «انقلاب اسلامي» ويكتب افتتاحياتها التي كانت تمتلئ بكلمة «مَنْ» بشكلٍ مثير للاشمئزاز والتقزّز، فأحيانا تتكرّر في المقال الواحد خمسين مرة كما لاحظ الكثير من القراء، فبدأوا يسمّونه «بني مَنْ» (ومَنْ تعني: «أنا» كما في القاموس).

طبيعة البشر لا تختلف من بلدٍ إلى بلد أو بين ثقافةٍ وأخرى، فمن يمدح نفسه ويُكثر من التبجّح والادعاءات الفارغة ينفر منه الناس حتى لو تخيّل نفسه فولتير زمانه، فينتهي به الحال إلى أن يبغضه الأقرب ويمجّه الأبعد. فكان يروّج أنه الذي رتّب لسفر الإمام الخميني إلى فرنسا، وهو الذي استأجر الشقة في نوفل لوشاتو، وهو الذي يتصل بكل وكالات الأنباء العالمية وينشر البيانات بكل اللغات، وهو الذي... باختصار: هو الذي أطاح بالشاه وقاد الثورة إلى الانتصار... والناس كلها تعرف أن كل ذلك «فشوش»!

فترة حكمه القصيرة تميّزت بالاضطراب الداخلي واندلاع الحرب مع العراق، ولأن من يعاني من تضخّم الذات يحاول التعويض بعمليات الاستعراض والادعاءات الفارغة، فإنه ذهب إلى الجبهة وأخذ يلتقط لنفسه صورا وهو على الموتورسيكل، لينشرها في صحيفته، ليقنع الناس أنه هو الذي يدير الحرب!

كان يتخيّل أن دراسته السابقة في فرنسا تتيح له أن يدّعي من البطولات ما يشاء، وأن على الجمهور أن يصدّقه ويصفّق له، ومشكلته أن هذا الجمهور له ذاكرةٌ قويةٌ، ويرفض الاستغباء أو يتسلّق على ظهره المذبذبون والمتقلّبون، فحدث الطلاق البائن واختفى بني صدر عن الأنظار عدة أسابيع.

ذات مساء في أحد أيام يوليو 1981، صُدم الإيرانيون إلى خبرٍ عاجل عن ظهور بني صدر في مطار باريس ويده بيد مسعود رجوي زعيم تنظيم «خلق» الإرهابي، ولم يصدّقوا أنفسهم... صحيح، كان حليق اللحية من قبل، لكن أين اختفى شاربه؟ فقد هرب المناضل الكبير في زيّ امرأة، بعد أن حلق شاربه وارتدى الشادور، ووضع النظارة السوداء على عينيه والبودرة على خدّه الأملس، وربما استخدم «الجل» لترجيل شعره الجميل!

المقالات التي كان يكتبها أصبحت تراثا كلاسيكيا في مجال الترهّل الفكري وزيادة الشحوم الثقافية وحالات الباراسيكولوجي، يعود إليها كتّاب الأدب كمرجعٍ لمعرفة أروع النعوت التي يمكن أن يدمغ بها كاتبٌ نفسه! فيقع على كنز ضخم من التعبيرات «الحداثوية» المنتزعة كلها من عالم الحيوانات: من سنام الجمل إلى جلد الضبّ، وعناد الثيران وغباء الحمير وتشقلب الضفدعة وغرور الطاووس، وكِفْل البقرة المكتنزة ضروعها بالحليب الخالي من الكوليسترول... كل صفات الحيوانات تجمعت فيه فأخذ يفخر بها، ولم يفته إلا القول بأنه «ريمٌ على القاع بين البانِ والعلم»!

في آخر أيامه أوغل بني صدر في التبخّر والتبختر وزادت نرجسيته حتى بلغ بأوهامه إلى عنان السماء، فتخيّل نفسه دون كيشوت، مهمته قلب الطاولات وخوض معارك ضد كل أنواع التخلف في العالم، بينما يسمع الجمهور ثرثرته الفارغة ويقهقه، ويراه «دخانا وغبارا متطايرا في الجو» كما يقول الفيلسوف جونجوفيتش!

اليوم لو سألت الإيرانيين: من هو بني صدر؟ للوى الشباب منهم شفته لعدم سماعهم بهذا الاسم، ولضحك كبارهم وهم يتذكّرون ليلة هروبه بالباروكة والشادور!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2387 - الخميس 19 مارس 2009م الموافق 22 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً